المغرب يحصد نتائج سياسة العمق الإفريقي

المغرب يحصد نتائج سياسة العمق الإفريقي

A- A+
  • المغرب يحصد نتائج سياسة العمق الإفريقي

    حين كان المغرب يستثمر ما يفوق عشر مليار دولار في بلدان العمق الإفريقي منذ بداية هذا القرن مع مجيء محمد السادس إلى الحكم، كان حكام الجزائر يضحكون، لكون المملكة تصب الماء في رمال الصحراء، وكان حتى بعض الاقتصاديين والسياسيين المغاربة غير واثقين ومتحفظين على ما اعتبروه مغامرة كبرى غير مضمونة المخاطر، بحكم عدم استقرار أنظمة معظم الدول الإفريقية وسرعة تقلب أجوائها السياسية والعسكرية.. ولكن منذ فاتح دجنبر 2016، حين حل العاهل المغربي بمطار نامدي أزيكيوي بأبوجا، في أول زيارة رسمية له لجمهورية نيجيريا الفيدرالية، المحطة الثالثة ضمن جولة استهلها بأثيوبيا ومدغشقر، كان تاريخ آخر يبدأ بالمنطقة، ومع تسليم الملك محمد السادس مفاتيح مدينة أبوجا، كان المغرب يتسلم مفاتيح أخرى من منطقة جنوب الصحراء، كان وشم الماضي حاضرا، فالإسلام دخل نيجيريا عبر المغرب، وكبريات الطرق الصوفية خاصة التِّيجانية، تجد في المغرب وفي إمارة المؤمنين وشائج روحية، وعلى الجانب الآخر كانت المصالح الاقتصادية الإستراتيجية، أنبوب الغاز الضخم الذي يربط إفريقيا بأوروبا، الجالية النيجيرية بالمغرب التي تُتم تعليمها الجامعي، كان ذلك أشبه بتدشين شبكة جديدة للتضامن القاري.

  • وها نحن اليوم، نجني ما زُرع طيلة عقدين من طرف جلالة الملك في امتداد العمق الإفريقي للمملكة، من علاقات شراكة اقتصادية يحكمها منطق رابح رابح، لذلك استحق محمد السادس عن حق لقب “الملك الإفريقي”، من جهة لأن استراتيجيته في العمق الإفريقي للمغرب اتسمت بالوضوح والبراغماتية والشراكات الحقيقية، ومن جهة ثانية لأنه نجح في وضع حد لدبلوماسية حقائب ودولارات النفط و رشاوي الأنظمة الحاكمة.. لفائدة بداية ترسيخ شراكات متعددة الأبعاد، هنا دور الوكالة المغربية للتعاون الدولي (AMCI) ، مشاريع مادية ملموسة على الأرض موجهة لخدمة المواطنين هناك في الغابون، غينيا بيساو، مالي… (حفر آبار للماء الصالح للشرب، قبول طلبة بالمغرب بمنح، مستشفيات، بناء مساجد ومستوصفات طبية).

    وقد ساعد على ذلك وجود جيل جديد من القادة الإفريقيين غير مثقلين بجراحات الماضي والحسابات السياسية الإيديولوجية، طموحهم هو تنمية دولهم، استقرار أنظمتهم، مصالح براغماتية بدل الاصطفاف وراء آلة دعائية تحركها حقائب البترودولار التي كانت تأتي من الجزائر وليبيا القذافي لدعم فصيل ضد فصيل آخر، حيث كانت هذه الأموال تذهب إلى الصناديق السرية للجنرالات والقادة الأفارقة في سويسرا والفراديس الضريبية بأوروبا أو إلى شركات صناع الأسلحة أساسا، اليوم اتضح أن الشراكات التي بناها المغرب بإفريقيا، كان المستفيد منها أساسا هم الشعوب ومواطنو هذه الدول، لأنها مرتبطة بمعيشهم وبجودة الخدمات التي استثمر فيها المغرب، لأنها مشاريع تساهم في تنمية هذه الدول بما يعود بالنفع المشترك على المغرب وعلى الدول الشريكة له في العمق الإفريقي.

    بفضل هذه الاستراتيجية الملكية، عبر استخدام القوة الناعمة، أصبح المغرب رقما صعبا في المعادلة الجيوإستراتيجية في إفريقيا، وكان طبيعيا أن يجلب هذا الإنجاز الكبير حسادا وغاضبين لا يرون بعين الرضا للدور الذي أصبح يلعبه المغرب في عمقه الإفريقي، خاصة من الدول ذات الحنين الاستعماري، التي اعتبرت قوة نفوذ المملكة كانت على حساب دورها التقليدي، والحقيقة أن المغرب حين قرر العودة إلى بيته، لم يكن يفكر في انتزاع الريادة من غيره، وإنما أن يكون له دوره الحيوي إلى جانب باقي أفراد البيت الإفريقي الذين أرسى معهم شراكات واضحة وواعدة في آن لصالح الأطراف المنخرطة فيها.

    وأعتقد جازما أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، فحين تكون الدول ناجحة وذات مصداقية، لابد أن تجد منافسين شرسين ممن استفادوا من وضع السيبة سابقا في ظل أنظمة عسكرية لا يصبح الصباح حتى تجد من ينقلب عليها، فاللهم أكثر من حساد الملكة كلما كانت في الاتجاه الصحيح للمصالحة مع التاريخ والامتداد الجغرافي للمملكة.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    بعد هزيمة فريق العاصمة بثلاثية نظيفة..الاتحاد الجزائري يقرر الطعن في قرار الكاف