لنصن أعمال العقلاء عن العبث

لنصن أعمال العقلاء عن العبث

A- A+
  • حين تحدثت آخر مرة في هذه الزاوية، عن جدوى إلزامية جواز التلقيح لولوج الفضاءات العامة، كنت أحسُّ حقا أن هناك اختلافا في الرأي والنقاش بين الرافضين والمساندين، وأن الكل يسعى لما فيه خدمة البلد، لكن اليوم أشعر أن هناك من يريد الركوب على قضايا مختلف حولها كونيا، لتصفية حسابات أخرى، خارج مجال ما يهمُّ الوطن أو دفاعا عن حرية المواطن… تحدث البعض عن مفهوم الحرية كما يحلو له، فقط من باب «عارض وصافي»، والحقيقة أن كل مواثيق العالم في مجال حقوق الإنسان، يتم التنصيص من خلالها على أن حرية المرء تنتهي حين تبدأ حرية فرد آخر، فحرية أصبعك في الحركة وفي فعل ما يشاء تنتهي عند أرنبة أنفك كما يقول كبار الحقوقيين، لو كان الأفراد الذين امتنعوا عن أخذ التلقيح، ولهم حرية اختيار ذلك، قد لزموا بيوتهم، ولم يقصدوا الأماكن العامة ولم يختلطوا بغيرهم مما يسبب الأذى لآخرين، لما اقتحم عليهم أحد المنزل ولما طالبهم بالإدلاء بجواز التلقيح، فهذا حق لهم، لكن أن تكون ضد التطعيم، وتخالط الناس في الأماكن العمومية فأنت تشكل تهديدا حقيقيا على حياة الآخرين، ومن تم يجب أن نصون أعمال العقلاء عن العبث.. لا أحد اتهم دولا أوربية عتيدة وذات تقاليد ديمقراطية بالشطط في استعمال السلطة ورَفض جواز التلقيح، إذ من يرفضونه في هولندا أو ألمانيا وغيرهما، لا يقتحمون الفضاءات العامة، وهم بذلك يمارسون حرية اختيارهم، لكن يتقبلون النتائج المترتبة عن هذا السلوك المدني الحر، وهو عدم ولوج الأماكن العامة بالقوة والتَّحدي، وخلق البلبلة، لغاية في نفس يعقوب..

    نحن في زمن استثنائي وفي حالة طوارئ بسبب فيروس قاتل لا زال مقيما بيننا، وغاية الحكومة من سن جواز التلقيح، لم يكن الهدف منه تحكم المخزن في الرقاب، فهذا عبء إضافي ثقيل على أفراد السلطات العمومية الذين لا ينكر أحد أنهم إلى جانب الأطر الصحية تعرضوا لإنهاك غير مسبوق بسبب الجائحة، ولكن لأن من وظيفة السلطات العمومية حماية الصحة العمومية وصون سلامتها من أي أذى.

  • أفكر في «حريرة» نبيلة منيب، التي ترفض التطعيم، وبالتالي لا تتوفر على جواز التلقيح، وهو ما يعني أنها لن تلج قبة البرلمان، ما العمل خاصة أن الوباء يبدو أنه لا زال مقيما بيننا كما يقول الخبراء حتى نهاية 2022 في أحسن حالات التفاؤل؟ هل ستستمر النائبة المحترمة في الذهاب كل جلسة إلى مدخل البرلمان، حيث يُطلب منها جواز التلقيح، فترفض وتأتي بالصحفيين لتصوير لقطة الأربعاء، وينفضُّ القوم من حولها، ومع طول الزمن، سيكون أمامها حل من إثنين: يا إما التطعيم والتوفر على جواز التلقيح في انتظار ما ستقوله المحكمة الإدارية حول الدعوى المرفوعة بخصوص أحقية فرض جواز التلقيح من عدمه، وبالتالي ممارسة وظيفتها النيابية التي أهلها لها الناخبون لتمثيلهم أحسن تمثيل، وإما التحصن بمنزلها وعدم مغادرته وبالتالي تخليها عن وظيفتها التشريعية، أما قضية تكرار المشهد كل أسبوع، القدوم إلى البرلمان، ورفض دخولها، والإدلاء بتصريحات إلى الصحافة، ثم التوجه إلى شارع محمد الخامس، فلن يعود مغريا لا للإعلام ولا لعموم المغاربة.

    جميل جدا أن تكون للمغاربة آراء مختلفة في أمور تفرضها الحكومة، لأن هذا يعبر على أن المغرب جسد حيوي ويتنفس بملء رئتيه حرية التعبير عن رأيه بل وممارسة قناعاته حتى في ظل أجواء استثنائية، لكن يجب أن نصون أمور العقلاء عن العبث.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الشرطة القضائية بتنسيق مع الديستي توقف شقيقين يشكلان موضوع مذكرات بحث