بوح الأحد:تهرب المنابر التي روجت كذبا لإستعمال المغرب لبرمجية بيڭاسوس من القضاء

بوح الأحد:تهرب المنابر التي روجت كذبا لإستعمال المغرب لبرمجية بيڭاسوس من القضاء

A- A+
  • بوح الأحد: تهرب المنابر التي روجت كذبا لإستعمال المغرب لبرمجية بيڭاسوس من القضاء يكشف زيف الإدعاءات، تعثر الحكومة من عدمه في بدايتها، هل يتجه المغرب إلى تطبيع علاقاته مع ٱسبانيا و ألمانيا في ظل ٱستمرار تيه النظام الجزائري و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي

  • شكل هذا الأسبوع لحظة معبرة بخصوص الاتهامات المختلقة من بعض “المنابر الإعلامية” الفرنسية ضد المغرب بدون أدلة حول استعماله لبرمجية بيڭاسوس للتنصت على مغاربة وغير مغاربة، ومنهم الرئيس الفرنسي ماكرون ووزراء فرنسيين. لقد كان هذا الأسبوع موعدا مع جلسة إجرائية أمام الغرفة الجنائية السابعة عشرة بباريس، حيث بدا واضحا أنهم سيطالبون بعدم أحقية المغرب في رفع دعوى قضائية ضد منابر إعلامية فرنسية استنادا إلى السوابق القضائية لمحكمة النقض في قضايا غير مشابهة، و هناك من يراهن على دفع النيابة العامة للإصطفاف إلى جانب المنابر الإعلامية في هذا الإتجاه. وبموازاة ذلك خرجت صحيفة لومانيتي l’humanité بعيدا عن القضاء في حملة “التبوحيط” و”التعوريط” لتغيير الموضوع وجره إلى غير حقيقته بالتباكي على حرية التعبير واستهداف المغرب لهذه الجريدة وصحافيتها روزا موساوي الجزائرية الفرنسية التي ٱحترفت التهجم على المغرب لفائدة الجزائر و ٱحتضان الطوابرية و كل المعادين للمغرب. هذا هو حال كل هذه المنابر والمنظمات تتصور نفسها فوق القانون وتحوز حرية فعل ما تشاء كيفما تشاء ووقتما تشاء بدون حسيب أو رقيب ولو بدون أدلة وبدون مناسبة أو سياق داعم، وحينما يلجأ المتضرر إلى القضاء لإنصافه تطلق حملة العويل على الحرية المستهدفة والصحافة المضيق عليها لتختبئ وراء هذه الشعارات التي لا يختلف حولها اثنان ولم يتعرض لها أحد بالتضييق ، لكنهم في العمق يصادرون حق المغرب في التقاضي لإظهار الحقيقة التي لا يتبرم منها إلا الكاذبون.
    سيسجل التاريخ هذه الخطوة للمغرب. رغم خطورة الاتهامات المفبركة ضده، ورغم استهدافها توتير علاقاته مع أكثر من دولة صديقة، اختار عدم الانجرار إلى هذا القاع، وفضل الاحتكام إلى القضاء للفصل في حقيقة الاتهامات، وكان الأولى بهذه المنابر الترحيب بهذه الخطوة والتفاعل معها والاحتكام إلى سلطة قضائية مستقلة ليس بإمكان المغرب التأثير عليها. للأسف، فضلت لومانيتي تهريب النقاش حول ادعاءاتها المختلقة وافتعال أسطوانة الاستهداف والتضييق التي صارت مشروخة ومعروفة لدى الخاص والعام. ماذا كان يضير هذه المنابر لو رحبت بفكرة التقاضي و الإدلاء بالأدلة والوثائق؟ وكيف كانت أسهمها، مهنيا وأخلاقيا، سترتفع لو تجاوبت مع هذه الدعوى القضائية؟ ولماذا تقود هذه المنابر زوبعة إعلامية وتدفع بدفوع شكلية وإجرائية حتى لا يتم الخوض في الموضوع والمضمون؟ أو إن شئنا الدقة، لماذا تتهرب من مسطرة التقاضي وهي أفضل مسطرة يمكن أن تقود نحو الإنصاف والعدالة وإقناع الرأي العام بصواب رأيها وصدقية اتهاماتها وصحة أدلتها؟ الاتهامات كانت موجهة للدولة المغربية ومؤسساتها، و من الطبيعي أن تنبري الدولة لرفع الدعوى وفق مساطر قانونية للدفاع عن مؤسساتها السيادية. والمنطق يستدعي أن تقبل هذه المنابر والمنظمات هذا المنطق وتتفاعل معه لأنه فرصة لها للإقناع بمهنيتها وكفاءة صحافييها ودقة تحرياتها إن كانت مقتنعة فعلا أن ما قامت به تحريات تندرج ضمن الصحافة الاستقصائية لكنها ٱختارت تهريب النقاش أمام القضاء لأنها بكل بساطة لا تملك و لو دليلا واحدا على صحة ٱدعاءاتها. كان على لومانيتي أن تمثل مقولة جان جوريس مؤسسها حين قال “الشجاعة هي البحث عن الحقيقة وقولها” فلماذا لم تتسم هذه الجريدة بالشجاعة إذن وتبسط أدلتها وتعلنها للعموم أمام القضاء وله أن يحكم بشأنها؟
    لقد صار التهرب من المثول أمام القضاء والتمسك بالشكليات والدفع في تأجيل الجلسات للحيلولة دون الخوض في موضوع الاتهامات وجدية الأدلة هو الأسلوب المفضل لهذه المنابر والمنظمات سواء في فرنسا أو ألمانيا، وهو ما يؤكد تخوفها من حكم قضائي صادم وفاضح لها وغياب أدلة حقيقية بحوزتها. يذكرني هذا التكتيك بملف التنصت الذي اتهمت به أمنستي المغرب صيف 2020، وها نحن ما نزال ننتظر ردا جوابيا من المنظمة على أسئلة المغرب رغم مرور أكثر من سنة!! لو كانت المنظمة صادقة في ادعاءاتها لردت على الأسئلة وبسطت الأدلة للرأي العام، وليس للمغرب، حفاظا على سمعتها ومصداقيتها إن بقيت لها مصداقية.
    لقد ربح المغرب هذه المعركة قبل صدور حكم فيها، ويكفيه تهرب هذه المنابر من القضاء وهذا التباطؤ في التجاوب مع مطالب الرأي العام بعرض الأدلة التي استندت عليها لإطلاق اتهاماتها. وهذه مناسبة أخرى لتأكيد أن منهجية الهجوم بالقانون وأمام القضاء وحدها الكفيلة لفضح الأقلام والمنظمات المأجورة و”المسخرة” التي تخدم أجندات خفية مقابل “حفنة فلوس”. سياسة المواجهة هي التي تفضح هذه الأجندات والقائمين عليها وصناعها ومنفذيها وكذا الطابور الخامس المناصر لها والذي يوظف فيها. لقد كان أبو وائل ينتظر بيانات من الطوابرية المعنيين بهذا الملف يتصدى لهذه المنابر ويطالبها بالامتثال أمام القضاء ليرى حقيقة الاتهامات بالتنصت على هواتفهم وجدية الأدلة التي تتوفر عليها هذه المنابر والمنظمات، وحينها سيفهم الحقيقة ويمكنه الاصطفاف بشكل منطقي وعقلاني في الاتجاه الذي يناسب قناعاته. ماذا يعني صمت الطوابرية عن هذا التلكؤ من طرف هذه المنابر في المثول أمام القضاء؟ لماذا لا يضغطون عليها؟ لماذا لا يثمنون خطوة المغرب بالاحتكام إلى القضاء؟ أيشكون أن القضاء الفرنسي ممخزن؟ أم يساورهم شك في نزاهة القضاة الفرنسيين؟ هذه هي الأسئلة التي يطرحها اليوم كل متابع لهذا الملف. وكل يوم يمر بدون تجاوب هذه المنظمات وبما يوازي ذلك من إصرار للمغرب على استكمال مسطرة التقاضي حتى نهايتها هو في صالح المغرب الذي ينتصر لدولة القانون وسلطة القضاء ، لكنهم يراهنون على المتياسرين في صفوف القضاء الفرنسي من أجل عدم قبول شكاية المغرب.
    لقد مضى زمن تغول بعض المنابر الإعلامية الأجنبية واستقوائها بحرية الصحافة، وأصبح العالم مفتوحا والمعلومة متداولة وحبل الكذب قصير مهما طال. وهذه مناسبة أخرى لتذكير أمنستي وفوربيدن ستوريز وغيرهما بنشر أدلة الاتهام التي في حوزتهما إن أرادت الحفاظ على ماء وجهها. وعدم النشر يعني أنها مجرد تصفية حسابات أو خدمة أجندات قوى معادية للمغرب أو محاولة للتستر على محميين تريدهم هذه المنظمات فوق القانون. مرة أخرى، ليس هناك أحد فوق القانون، ولن يكون هناك تأثير على اشتغال مؤسسات الدولة، وغير مقبول أن تتدخل أي مؤسسة في عمل القضاء الذي يمارس اختصاصاته الدستورية بصفته سلطة مستقلة. فلماذا لم يتعبأ الطوابرية لكي يضغطوا على هذه المنظمات والمنابر للمثول أمام القضاء وعدم التلكؤ من خلال التشبث بشكليات وإجراءات تضعها في حرج من لا يريد بسط أدلة اتهامه لأنه مقتنع سلفا أنه لا يتوفر عليها أو أنها ليست جدية أو أنها ستفضح حقيقته. الخاسر الأكبر في هذه اللعبة هم الطوابرية، والرابح الأكبر هو المغرب الذي اختار الانتصار للقانون والدفاع عن نفسه أمام القضاء. ومن احتكم للقضاء ٱنتصر.
    لم تكد الحكومة تنهي وضع برنامجها، وحتى قبل عرضه على البرلمان للمصادقة، حتى بدأت السكاكين في الطعن من كل جانب. يمكن تفهم الانتقادات الموجهة حول تركيبتها وأعضائها والأحزاب المكونة لها ومدى ملاءمة برنامجها مع انتظارات المغاربة ومدى انسجامه مع وعودها الانتخابية. هذا كله ضروري ومطلوب. أما المحاسبة على الإنجازات من الآن فيبدو أنه متسرع ومجحف. لقد اقتضت التقاليد الديمقراطية منح الحكومة الجديدة مهلة مائة (100) يوم لترتيب مؤسسات اشتغالها بما يتلاءم مع منهجية عملها وبما يخدم تنزيل برنامجها وهو ما يقتضي تغييرات في بعض مناصب الإدارة، مديريات وأقسام ومصالح، وتشكيل الدواوين الوزارية ومصادقة البرلمان على تصريحها الحكومي. كما يجب استحضار أن هذه ليست حكومة استمرارية، سواء في الأحزاب المشكلة لها أو التي تقود ولايتها أو في بروفايلات الوزراء المشكلين لها، ولذلك وجب منحها الوقت اللازم للاستئناس إسوة بسابقاتها. يلاحظ في الآونة الأخيرة أن هناك جهات تبذل مجهودا خرافيا لإقناع الرأي العام بأنها حكومة متعثرة قبل بداية عملها وبأن وزراءها عديمو الكفاءة رغم عدم مباشرتهم لمهامهم بعد، وحتى قانون مالية هذه السنة، لا يخفى بأن إعداد إطاره العام وتوجهاته الكبرى تم بواسطة الحكومة السابقة وأقصى ما كان متاحا لهذه الحكومة هو تصويبات على المشروع المعد سلفا. هناك آمال كبيرة وانتظارات شعبية أكبر من هذه الحكومة. وهذا صحيح. وهناك رهانات كبيرة من قبل الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين على هذه الحكومة. وهذا أيضا صحيح. وبالمقابل، هناك من لا مصلحة له في إنجاح هذه التجربة انتصارا لمصالحه الخاصة والحزبية ويتصور نجاحَها نهايةً لتصور لممارسة السياسة لا يريد الاقتناع أنه تقليدي ومتجاوز. لقد مضى عهد ممارسة السياسة بالخطابة بدون إنجاز. الرهان الأول للمغرب حاليا، كما تنكب عليه الحكومة الجديدة، هو إخراج البلاد من تداعيات جائحة كورونا بشكل نهائي، وهذا لن يتم إلا بجلب الاستثمارات وخلق فرص الشغل، ومؤشرات هذين الورشين لا تظهر بسرعة. ولكن هناك خطوات عملية من أجل ذلك، وقد ترأس رئيس الحكومة وسط هذا الأسبوع اجتماعا حول ملف الاستثمار بحضور عدد من الوزراء لتشجيع الاستثمار ومواكبة الفاعلين في المجال عبر تفعيل مجموعة من الرافعات، تنفيذا لتوصيات المجلس الوزاري الأخير وللتفكير في الوسائل الكفيلة بتحفيز الاستثمار وترسيخ أسس إنعاش اقتصادي لا سيما في الجانب المتعلق بالتشغيل من أجل نمو اقتصادي قوي ومستدام وشامل ومنتج لفرص الشغل. وقد تم التطرق فعلا للصعوبات التي تواجهها المقاولات، فضلا عن ميثاق الاستثمار، وأهمية ودور المراكز الجهوية للاستثمار.
    هل ستنجح الحكومة في هذا الورش؟ قد تنجح وقد تفشل. وهل حازت من المغاربة شيكا على بياض؟ بالتأكيد لا. ولكن قواعد الإنصاف وتقاليد الديمقراطية تقتضي منحها فرصتها ومدة معقولة للتأقلم، وبعد مائة يوم يلزم محاسبتها على ما كان يكتسي صبغة الاستعجال ولم تنجح في الوفاء به، وعلى ما تعتمده من مقاربة للوفاء بالتزاماتها خلال الولاية التي تشكل هذه السنة سنتها الأولى فقط. ومن تمام النضج السياسي تجنب المزايدات الفارغة والبحث عن “التعكال الخاوي” لأننا أمام تجربة جديدة يجب تتبعها ومواكبتها بنقد موضوعي ومنطقي للانتقال بالعمل الحكومي في التجربة الديمقراطية المغربية الناشئة إلى مرحلة النضج الديمقراطي التي تحاسب الحكومة على الإنجازات بمقارنتها مع الوعود.
    يحسب للتجربة المغربية النجاح في التداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع، ويحسب لهذه التجربة انفتاحها على التطور بمنطق الاستماع والتشاور والتشارك، وهو ما جنبها الكثير من المطبات التي تعاني منها تجارب إقليمية مماثلة. وهذا الرصيد من التطور ملك جماعي للمغاربة يجب تثمينه وتعزيزه ليقدم المغاربة خدمة للمحيط القاري والإقليمي تتجلى في نجاح تجربة انتقال وترسيخ ديمقراطي بوسائل ديمقراطية وبدون ضحايا وانقلاب على خيار الشعب.
    لا شك يتابع الرأي العام ما يجري في السودان وتونس. ألا تدعو نتائج هذه التجارب المغاربةَ إلى الافتخار بنموذجهم في إحداث التغيير من خلال الاستمرارية؟ ألم تنقذ خيارات المغرب الحكيمة البلاد من صراع الديكة بين مؤسسات الدولة؟ في تونس هناك تأخير للشهر الثالث في صرف رواتب الموظفين بسبب العجز في ميزانية الدولة. وفي السودان وصلت كل التوافقات بين الشق المدني والعسكري للباب المسدود.
    لقد عرف المغرب دستورا جديدا بعد 2011 وواكبته ترسانة قانونية مكنت البلاد من إجراء انتخابات منتظمة أشرفت عليها مؤسسات محايدة، وهو ما جعلها تحوز اعترافا دوليا بنزاهتها، بل إن هذه التجربة قدمت نموذج النجاح في جذب الناخبين رغم الوضعية الوبائية التي أرخت ظلالها على كل المحطات الانتخابية في العالم خلال جائحة كوفيد 19. وأفرزت كلُ الانتخابات مؤسسات تنافسية متباينة الأولويات والمرجعيات تحت ظل ملكية عريقة شكلت صمام الأمان وقاطرة هذا التحول في كل اللحظات المفصلية التي تطلبت تدخلها. وفي هذه يشهد المنتظم الدولي والرأي العام الوطني للملك بأنه كان نصير الاختيار الديمقراطي في أحرج اللحظات لهذه التجربة الناشئة. وبالمقابل، لم يتم التفريط في الشق الاجتماعي والاقتصادي للانتقال، حيث يشهد التحول الديمقراطي في المغرب توازنا ملحوظا في كل المجالات. هنا يكمن سر قوة المغرب واعتزازه بسيادته وانتصاره لقضاياه ضد كل من ينتقص منها أو يريد مساومته على شبر من ترابه. يتناسى البعض أن أكبر نقط قوة المغرب دوليا هي تماسك جبهته الداخلية ونزاهة انتخاباته وديمقراطية تشكل مؤسساته التي تمثل الشعب وانتصار ملكيته لقضايا المغرب أولا وأخيرا دون أن يعني ذلك تقوقعا على الذات أو انعزالا عن المحيط. هذا هو سر الانتصارات المتتالية للمغرب، وهذه هي دعامة الدبلوماسية المغربية في المنتظم الدولي، وهذا هو سر مناعة المغرب والمغاربة ضد كل تغول أجنبي ضد مصالحه. ومع ذلك نرى الاحترام الذي يحظى به المغرب والرغبة في تطوير العلاقات معه من قبل كيانات كبرى.
    نتذكر سوء التفاهم مع إسبانيا بعد استقبالها لبن بطوش على ترابها بشكل غير قانوني وبهوية جزائرية مزورة ورفضها متابعته قضائيا رغم الشكايات الموضوعة ضده. ونتذكر الإصرار من وزيرة الخارجية حينها على صواب هذه الخطوة. ما هي النتيجة اليوم؟ لقد ذهبت الوزيرة مستقيلة، وفتح التحقيق القضائي حول خلفيات هذا الاستقبال خارج القانون. وكل التصريحات الرسمية الإسبانية تصب في اتجاه البحث عن الإبقاء على علاقات جيدة مع المغرب، وآخرها ما صرح به وزير الداخلية الإسباني مارلاسكا للباييس، حيث قال بأن إسبانيا تجمعها بالمغرب علاقة وفاء مهمة نتيجة لعلاقة مستمرة مع مرور السنين تعمل مدريد حاليا من أجل توطيدها وبأن المغرب شريك استراتيجي وبلد صديق وبين البلدين مصالح مشتركة. ماذا تعني هذه التصريحات إذن؟
    من جهته، أصبح نهج المغرب دبلوماسيا واضحا لأنه ينطلق من عقيدة واضحة. لا يتنازل المغرب عن سيادته ولا يساوم على مصالحه ولا يسمح بعدم التكافؤ في العلاقة مع غيره، ولكنه بالمقابل لا يرد إلا في الحدود الدنيا التي يحافظ بها على مصالحه، وهذا ما يزيد من الاحترام له. ما يحدث مع ألمانيا شبيه بما يحدث مع إسبانيا، والعلاقات قابلة للتحسن مستقبلا ما احترمت سيادة المغرب وقبلت الأطراف الأخرى بشروط المغرب التي لا تمس سيادة باقي الدول.
    سيلاحظ الرأي العام أن هذه الدول التي تقع معها مثل هذه المناوشات تحترم اختيارات المغرب ولا تستطيع رسميا مواجهتها، واستحضار المصالح المشتركة كفيل بإرجاع الأمور إلى نصابها، ولكن أكبر متضرر دائما هم الطوابرية الفرحون بكل ما يضر المغرب والمنتشون بكل خلاف مع الغير حيث ينفخون فيه متناسين أنهم ينفخون في الرماد بدون نار. يرفع الطوابرية المساكين سقف انتظاراتهم وأمانيهم على أمل إضعاف بلدهم ثم تصيبهم الصدمة حين يكتشفون صمود المغرب على مواقفه ونجاحه في تقوية موقعه التفاوضي بما يحفظ له مصالحه وسيادته. سيكتشف الطوابرية متأخرين أن الوطنية المغربية المتجددة دعامة مادية ومعنوية للمفاوض المغربي. يشعر من يفاوض باسم المغرب أمام كل العالم أنه مسنود بأمة عريقة ومتماسكة ومستعدة لأي خيار للدفاع عن المغرب.
    وحده الجار الجزائري يستخدم ميزانا قديما ويتصور العلاقات الثنائية بالمنطق الصفري، ولذلك فهو مستعد لمعاداة كل من يساند المغرب واستعداء كل من يقول كلمة حق لصالح المغرب، كما حدث للعمامرة مع دول الخليج التي لم تخترع أو تبتدع موقفا جديدا، بل عبرت مؤخرا عن موقفها التاريخي المساند للوحدة الترابية للمغرب.
    سبب هذا الخيار الدبلوماسي هو الفريق الدبلوماسي الجزائري الذي رضع الدبلوماسية من ثدي الحرب الباردة ولم يفطم بعد لأن عمره البيولوجي غير متناسب مع عمره العقلي. ما يزال يمارس الدبلوماسية بالعنتريات الخطابية والجولات المكوكية وتقديم الرشاوى وصناعة الولاءات الزائفة. والسبب ثانيا يرجع إلى البحث عن فك طوق الضغط الداخلي باصطناع عدو وهمي خارجي لتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج، ويرجع السبب ثالثا إلى عقدة تاريخية اسمها المغرب يتوارثها جنرالات الحقبة البومدينية، ويرجع السبب رابعا إلى عدم قدرة نظام العسكر على مضاهاة التفوق المغربي في كل المجالات، وخاصة في ملف الصحراء الذي سخر له الجنرالات إمكانيات مالية هائلة كان الأولى صرفها لتنمية البلاد وهم يشعرون أن ساعة الحساب من طرف الشعب دقت. ولعل هذا هو سر ما نراه مؤخرا من تجاوز طريقة الاختباء وراء البوليساريو إلى مرحلة اللعب المكشوف. وهذا يحسب للمغرب الذي استطاع إخراج هذا النظام إلى العلن ليعبر عن مطامعه في السيادة على منطقة ليست من ترابه.
    من حسنات الشعب الجزائري أنه رزق بدولة مجاورة حكيمة ترفض أن تخضع لأجندة الجنرالات وتتفادى الوقوع في ردود فعل هاوية يمكن أن تشكل ذريعة للعسكر. وهذه أكبر خدمة يسديها المغرب للجزائر. خدمة يسديها المغرب للشعب الجزائري لأنه يفوت على حكامه فرصة التذرع بالخطر الخارجي الداهم، وخدمة يسديها للنظام الجزائري حين يضع تصريحاته العدائية في إطارها ولا يلقي لها بالا لأنها تفتقد لكل معاني اللياقة والمنطق.
    سيبقى المغرب كما كان كبيرا وحكيما ومنفتحا ومتوازنا وحريصا على علاقات جيدة مع كل من يتقاسم معه مصالح.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الوزير ناصر بوريطة يجري مباحثات في بانجول بغامبيا مع وزيرة الاندماج الإفريقي