حقيقة التشرميل ببلادنا

حقيقة التشرميل ببلادنا

A- A+
  • لا يمر يوم دون أن نسمع فيه حوادث اعتداء بـ “السيوفا والكاطورزات” وكافة أشكال الأسلحة البيضاء على مواطنين أبرياء في واضحة النهار، لم يعد الأمر يقتصر على حواضرنا المزدحمة بل مس حتى الهوامش والقرى التي كانت رمزا للأمان، ما الذي يحدث بيننا؟ هل أصبح المغاربة اليوم عدوانيين عنيفين أكثر من السابق رغم أن الإحصائيات الأمنية تؤكد انخفاض منسوب الإجرام ببلادنا؟

    يجب أن نكون حذرين جدا مما ينشر كل يوم عن جرائم التشرميل، بين تلك المختلقة أو المزيفة التي تعبر عن حدث وقع خارج المغرب، أو تلك التي تعيد نشر صور لوقائع وأحداث وقعت في سنوات سابقة، والتي تجعل المغرب يبدو برأي أصحابها كما لو أنه يعيش فيما يشبه الحرب الأهلية، حيث التشرميل وحوادث القتل والاعتداءات المتكررة، هذا البعد على قلته بيننا اليوم، أعتقد أن أمنيي البلد يفكرون فيه بشكل عميق، وتهيئ بصدده الإدارة العامة للأمن الوطني مشروع قانون للنشر على الأنترنت للحد من مروجي الأخبار الزائفة وصور التشرميل الملفقة، لكن يجب أن لا ننكر تطور شكل الجريمة بالمملكة..

  • إن تطور المجتمع المغربي وتأثير القنوات الفضائية ووسائط التواصل الاجتماعي، والمشاكل الاجتماعية التي تطال الشباب، وانتشار أشكال المخدرات والحبوب المهلوسة… كلها عوامل متداخلة في تطور الجريمة، وانتشار التشرميل بشكل خطير خاصة في المدن الكبرى، والذي أصبح يمس الأصول والفروع، أي العنف اتجاه الأولاد من طرف أحد الوالدين أو العكس، بالأمس القريب قتل أب ابنه بسبب قصة شعره، وقبلها كان ابن “مقرقب” قد أجهز على أمه وهي على فراش النوم.. عدا تعرض ناس أبرياء للتشرميل على يد شبان في زهرة عمرهم مسلحين بكل أشكال “الجناوا والسيوفا” يطوفون في الشوارع ليل نهار يروعون الأبرياء…
    الأمر يدعو إلى التفكير بشكل جدي للبحث عن أسباب هذا الانتشار المروع للتشرميل، فرغم المجهودات الجبارة التي يقوم بها رجال الأمن والذين هم أنفسهم أضحوا عرضة لأسلحة المشرملين المراهقين الذين اختلقوا لهم لباسا مميزا وشكل قصة شعر… فإن المجتمع المغربي اليوم يعيش على واقع مهول لظاهرة التشرميل التي أصبحت صورها تعرض على الأنترنيت بوجه مكشوف، الأمر لا يتعلق فقط بالفقر والتهميش، ولكن بعوامل متداخلة منها، تفكك الأسرة المغربية الواقعة تحت ضغط اجتماعي واقتصادي غير مسبوق، وليست مؤهلة لمواجهة أعباء تربية الأبناء لا ماديا ولا أدبيا وتربويا في غياب المساعدة الاجتماعية من مؤسسات عمومية، كما أن ضغط النموذج الاستهلاكي وضعف القدرة الشرائية لأغلب الأسر يساهم في انحراف المراهقين والمراهقات..

    بالإضافة إلى أن المدرسة قدمت استقالتها من واجب التنشئة الاجتماعية، وفي ظل غياب مرافق حيوية: دور شباب، ملاعب رياضية، مسارح ودور سينما ومجالات أخرى لتأكيد هؤلاء الشباب لذواتهم ونزع الاعتراف من المجتمع، يلجأون إلى أسهل الطرق، رفقة ولاد الدرب، نحو الحبوب المهلوسة، والبحث عن الزعامة بكل الوسائل حتى النشل واستخدام العنف، ومع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي برزت نزوعات التماهي مع الآخر في أفلام هوليود الدموية، وأصبح هؤلاء المشرملين يوثقون بأنفسهم عمليات الكريساج أو الفتوة التي يلجأون إليها، فبالأمس فقط ظهر مراهقون من سلا في شريط فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يرقصون بأسلحتهم البيضاء منتشين ومزهوين بأنفسهم، لجلب الشهرة عبر “التفرعين”، وتأكيد الذات لمجتمع أقصاهم من حقل اهتمامه.. وإذا كانت لدينا أجهزة يقظة ومحترفة سرعان ما ألقت القبض على المعنيين، فإن الحل ليس أمنيا فقط..

    قضية التشرميل اليوم تهم مجتمعا بكامل قواه ومؤسساته، ويجب أن يفتح حولها نقاش عميق بين القانونيين والحقوقيين والفاعلين التربويين وخبراء علم النفس وعلم الاجتماع والأمنيين وفي وسائل الإعلام وداخل البرلمان، لأن الأمر يتعلق في نهاية الأمر بأبنائنا، بشبان مغاربة نتحمل كلنا جزء من المسؤولية في انحرافهم، صحيح يجب تشديد الخناق على ترويج المخدرات والحبوب المهلوسة وعلى حمل الأسلحة البيضاء، لكن الاعتقال والسجن ليس هو العلاج الأساسي لظاهرة التشرميل التي تكتسحنا جميعا، فلننتبه يرحمكم الله.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    طقس الثلاثاء: حار نسبيا مع تشكل كتل ضبابية في بعض المناطق