خرافة شعب

خرافة شعب

  • ما حدث بسرغينة ببولمان، يدفعنا للتأمل العميق، فالمغرب الذي يتحدث عنه التلفزيون ويتكلم عنه السياسيون، ليس هو المغرب الحقيقي، كيف استطاع شاب أن يشيع في الناس من قرية في أقصى الهامش بوجود كنز كبير قد يحل جميع مشاكل المغرب، أن يقنع أكثر من 1600 شخص، بعضهم جاء من أوروبا ليأخذ حصته من الوهم الخرافي، كيف صدق كل هؤلاء معتوها، استيقظ في الصباح فنشر بين الناس أن شخصا وقف عليه في المنام وبشره بوجود كنز عظيم في رأس جبل سرغينة، وأنه يجب على كل ساكنة القرية أن تحج في ليلة القدر إلى الجبل لتأخذ حصتها من هذا الخير العميم؟

    الرجل داهية.. يجب أن نعترف، فهذا الحجيج لا يستطيع حزب سياسي أن يجمعه في قرية نائية، ولقد لعب على سذاجة الناس واستغل فقرهم وحاجتهم والأدهى من ذلك جهلهم، وأطلق فريته ومنامته فيهم فلقيت صدى.. هذا ما يجب الانتباه إليه، ما يتحدث عنه السياسيون والتلفزيون بعيد كل البعد عن المغرب الحقيقي الذي ليس أهل سرغينة سوى بضعة منه، مجتمع الخرافة والجهل المركب والفقر المضاعف.. ويأتي حزب سياسي ليتحدث لنا عن الملكية البرلمانية وعن التوجه العلمي بدل الأدبي، وعن الوعي الشعبي المتزايد..

  • زوروا البيوت في ليلة القدر والفقهاء الدجالين والمشعوذين… لتتعرفوا على الوضع الحقيقي للمجتمع خارج الأكسسوارات والرتوش، فما حدث في سرغينة يسائلنا جميعا ويحتاج من أنثروبولوجيين وسوسيولوجيين تعميق الدراسة والبحث واستخلاص ما يجب استخلاصه من نتائج ذات منحى علمي.. رحم الله بول باسكون ومحمد جسوس، اللذان منحانا تشريحا عميقا وضعناه في دولاب مكتباتنا نحن أهل المركز واستسلمنا لكلام التلفزيون وحديث السياسيين الذين يشتغلون على المغرب الذي يوجد بين الدار البيضاء والقنيطرة المدينة، وفي بعض مدن الساحل التي تتمركز فيها نسبة هامة من الساكنة، وتركنا كأحزاب وكإعلام وكنخب محلية باقي مواطنينا في المغرب العميق خارج دائرة اهتمامنا، أين هي النخب المحلية من أحزاب سياسية وأطر نقابية وجمعوية؟

    فالسياسات العمومية لا تُصنع بناء على معطيات المركز فقط بل من خلال المغرب بجميع أطرافه، الحواضر كما المداشر والأرياف والقرى النائية المقصية من دائرة الاهتمام المتروكة لفقرها وجهل ناسها، وما حدث بنواحي بولمان يجب أن يعيد الأسئلة الجوهرية إلى صلب النقاش أي مغرب نريد؟ وما العمل؟ وإلا فإن أي دجال يمكن أن يبيع الوهم للناس كان سياسيا أو من عامة الناس، ويحتال عليهم بالخرافة والشعوذة، أين هو هذا التعليم الذي وضعنا له مخططات وصرفت عليه الملايير، ولم تستطع المدرسة أن تنشر الوعي في الناس وتمنحهم الحد الأدنى من المعارف التي لا تسمح بأشكال الخرافة والشعوذة بالانتشار في قلب المجتمع؟ أين هي بيوت الله المنتشرة في كل مكان وخطباؤها وقيموها الدينيون إذا لم يكونوا يخصصون خطبهم في كل جمعة لمحاربة الدجل والخرافة؟

    نتحدث عن مطالب الدولة العصرية أو الحكامة والتنمية المستدامة.. وهنالك واقعة خرافة الكنز المدفون بسرغينة، هذه هي التخاريف الحقيقية، نحن نردد دوما في خطابات النخبة والطبقة السياسية، أن هذا البلد لا يملك لا ذهبا أصفر ولا أسود، ولكن كل ما بحوزته هو رأسماله البشري، الذي يجب أن يكون موضوع استثمار، فلا تنمية خارج المواطن، ولا مواطنة ولا سلوكا مدنيا يرتجى مع جهل وفقر المواطنين وافتقادهم لسبل العيش الكريم، ولا كرامة لإنسان جاهل وأمي، ولا تنمية في بلد يصبح فيه الدجالون/ المشعوذون زعماء يحشدون الناس وراء تخاريفهم ويبيعونهم الخواء والهراء… للأسف هذا هو الواقع… وعيدكم مباركم سعيد.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    نزار بركة: إنشاء اتحاد مغاربي بدون المغرب خيانة تاريخية للأجداد ومآله الفشل