من الصحون الطائرة إلى مؤتمر التصرفيق

من الصحون الطائرة إلى مؤتمر التصرفيق

A- A+
  • في أسبوع واحد، انفجرت الكثير من قنوات المياه غير النظيفة تحت جسر أحزابنا السياسية، ولا زالت ارتداداتها قائمة حتى اليوم، أولى قنوات هذه المياه العطنة التي تزكم الأنوف، ترتبط بـ 200 ملاحظة سلبية سجلها تقرير المجلس الأعلى للحسابات على الدعم السنوي الذي تقدمه الدولة من أموال دافعي الضرائب، التي بلغت 500 مليون درهم، لمساعدة الأحزاب السياسية على القيام بأدوارها المنصوص عليها دستوريا لتأطير المواطنين.
ففي إطار مهامه الرقابية على المالية العمومية للمؤسسات، أعد قضاة المجلس الأعلى للحسابات تقريرا مفصلا حول نتائج التدقيق والفحص التي همت جميع موارد ونفقات الأحزاب، وتتبع عمليات إرجاع مبالغ الدعم العمومي وحصر المبالغ الواجب إرجاعها، وكذا تقييم تدبيرها المالي والمحاسباتي. وإذا كان هذا الجزء لم يثر الكثير من الجدل سوى ما ارتبط منه بعدم إرجاع حوالي 17 حزب سياسي ومنظمتين نقابيتين لحوالي 28 مليون درهم إلى خزينة الدولة، بعد عدم الإدلاء بالوثائق اللازمة لتبرير صرفها، لسبب رئيسي ربما، هو أن المجتمع المغربي يتفهم ضعف الأطر الإدارية والمالية المكلفة بالحسابات في أغلب مقرات أحزابنا، وغياب الشفافية أيضا في طرق صرف أموال الدعم التي يبقى الزعيم هو الآمر بالصرف فيها..
ولكن المثير للجدل هو الجزء الثاني من التقرير المتعلق بنتائج تدقيق حسابات الدعم السنوي الإضافي لتغطية المصاريف المترتبة على المهام والدراسات والأبحاث، فلم نر دراسة واحدة لا في الإعلام ولا في الندوات التي عقدتها هذه الأحزاب لتكشف عن دراسات قام بها خبراؤها أو تعاقدت قيادتها مع مراكز أو معاهد خاصة في هذا الشأن، والمعضلة الكبرى أن الأحزاب المعنية بالأمر، لم تستطع حتى الرد الشافي على ملاحظات تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي كشف المستور في هذا الباب، وتبين للرأي العام بالملموس، أن من يطالب الدولة بالشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد، هو نفسه يفتقد لذلك.
أما الحدث الثاني المخجل حقا هو صفع عضو قيادي في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال لزميل له غداة انعقاد المجلس الوطني ببوزنيقة لانتخاب اللجنة التحضيرية المكلفة بالتهيئ لأكبر استحقاق حزبي في نهاية أبريل القادم، نعم لقد اتخذت اللجنة قرارها في حق «المُصرفِق» الفاعل و«المُصرفَق» المصفوع، ولكن الحدث الذي رصدته كاميرات الصحافة الوطنية وتم تداوله على نطاق واسع بين رواد التواصل الاجتماعي، أعاد شريط الأذهان إلى مؤتمر الصحون الطائرة لذات الحزب.
يجب أن نعترف أنه لم تخل في السابق عمليات مشاحنات واصطدامات في كل أحزابنا السياسية كانت يسارية أو يمينية، لكن كان معظم هذه المشاحنات يتم بين أشخاص في الرتبة الثالثة أو الرابعة في التنظيم أو بين فروع حزبية وأخرى، أما أن ينتقل العنف الغريزي إلى القياديين في الحزب، ويعتمد هؤلاء «الديمقراطيون» الجدد على التصرفيق والصفع في حل خلافاتهم البسيطة في نهاية المطاف، فأمر مخجل، يدل على أن مستوى من أصبحوا يلجون مراتب المسؤوليات الكبرى في قيادة أحزاب وازنة، هم أبعد ما يكونوا عن فضيلة الحوار والتسامح وحل التدافع الحزبي بالاحتكام للمنطق والجدل والديمقراطية بدل التدخل الفيزيقي العنيف لحسم الخلاف الحزبي المفترض.
الحقيقة أن حال أحزابنا السياسية وصل إلى مستويات دنيا، وهو ما يكرس نفور الناس منها وتشكيكهم في خطاباتها، ما معنى أن تكون فاسدا ولست شفافا في صرف المال العام، ويمكن أن يثق بك المواطنون لتولّى مسؤولية تدبير شؤونهم؟ كيف سيقتنعون بخطابات فضيلة الحوار والعمل المدني السلمي، إذا كان قياديو هذه الأحزاب يعتمدون على عنفهم الجسدي لحسم خلافاتهم الداخلية؟
رحم الله تلك الأحزاب الوطنية التي كانت مشتلا حيويا للنخب التي تتغذى منها الدولة نفسها، وكانت متعففة عن المال العام وعن طمع الاغتناء السريع بدون جهد، وخلد المغاربة رموزها حتى اليوم، ورحم الله أحزاب اللهفة واللهطة والتصرفيق.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المهندسون يهاجمون الرميلي ويؤكدون أن 90%من ملفات التعمير محتجزة في”دار الخدمات”