بوح الأحد: إفلاس 20 فبراير، لأول مرة في التاريخ المتاجرون بالقضية الفلسطينية…

بوح الأحد: إفلاس 20 فبراير، لأول مرة في التاريخ المتاجرون بالقضية الفلسطينية…

A- A+
  • بوح الأحد: إفلاس 20 فبراير ذكرى تحنيط جثة، لأول مرة في التاريخ المتاجرون بالقضية الفلسطينية يشقون صفوف المتضامنين في شوارع الرباط، وثيقة بداية نهاية العدل و الإحسان و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي

  • تحل الذكرى 13 لجثة 20 فبراير لتكون شاهدا آخر على حالة الإفلاس التي يعاني منها بعض من يدفنون أنفسهم في الماضي ولا يعيشون الحاضر فأحرى أن يتطلعوا للمستقبل. جزء منهم ما يزال يتعامل مع تلك اللحظات وكأنها حالة دائمة، ولم يكلف نفسه رغم هذا الوقت كله القيام بمراجعات وتقييم عميق لتلك التجربة، وجزء آخر يرى في الذكرى مناسبة لتهييج مريديه واستنفار أتباعه واستثارة مشاعر الرأي العام. ما يزال هؤلاء جميعا يرون في 20 فبراير أصلا تجاريا ورأس مال رمزي قابل لتحقيق ربح سياسي أو نضالي والاستقواء به على مؤسسات الدولة.
    يتناسى هؤلاء جميعا ما حدث من تحولات في المغرب خلال أزيد من عقد، وما شهدته البلد من قفزات وعرفته من طفرات، ويتجاهلون متعمدين أن بوابة التدبير العمومي هي صناديق الاقتراع وحيازة ثقة المغاربة وتحمل المسؤولية والاستعداد للمحاسبة وليس المزايدة الفارغة بالشعارات والمثاليات الحالمة، ولا يمكن لأي طريق أخرى أن تفرض الأمر الواقع على المغاربة مهما أحدثت من تشويش ظرفي.
    لا يريد دعاة إحياء الذكرى كل سنة الاعتراف بأن 20 فبراير كانت لحظة ولن تكون حالة دائمة، وما يزالون يتوهمون بأن ضغطهم حينها هو السبب في ما يشهده المغرب من إصلاحات متجاهلين أن الأوراش الإصلاحية مفتوحة قبل وبعد 2011 وممتدة في الزمان ومتتالية حسب وتيرة تتماشى مع احتياجات وإمكانيات البلد ومراعية لقدراته ولم تبدأ مع الحركة ولن تنتهي بموتها.
    لا يريد كل من يركبون على ذكرى الحركة أن يستوعبوا الحقيقة وهي لم تعد محط خلاف بأن الحركة ماتت ويسارعوا بإكرام الميت ودفنه. يريدون الاستمرار في استغلاله بطريقة بشعة وبنفس الأساليب التدميرية.
    لقد كان الأولى بالمتمسحين بالحركة وعُبّادها أن يخلدوا ذكراها بفتح تقييم حقيقي لأسباب اندلاع تلك الاحتجاجات سنة 2011، وأسباب توسع انتشارها في جل دول المنطقة العربية دون سواها، ومن كان صاحب المصلحة فيها، والجهات التي كانت وراءها تخطيطا وإعدادا وتمويلا وتبنيا، وطبيعة المكونات التي قادتها ونفذت المخطط وعلاقاتها المشبوهة بالجهات المخططة، ونتائجها الكارثية على وحدة بعض الدول التي ما تزال تعيش تداعياتها إلى اليوم ودفعت فاتورتها الباهظة من أمن مواطنيها واستقرار مؤسساتها وتراجع مؤشرات نموها. كان الأولى بالمتمسكين بنوستالجيا الحركة الانتباه إلى المخطط التخريبي الذي استهدف المنطقة العربية حينها والاعتراف بأن مؤسسات الدولة المغربية كانت أكثر وعيا به والأفضل استيعابا لأهدافه والأنجع في حسن التعامل معه لتجنيب المغرب والمغاربة ويلاته التي سقطت فيها دول أخرى. وحتما سيتخذ تخليد الذكرى مسارا آخر وسيتم الاعتراف للدولة المغربية بما قامت به لإفشاله وعدم الخضوع لابتزاز واضعيه وتأمين وحدة البلاد وأمن مواطنيها من التخريب الممنهج.
    الدرس الذي استوعبه المغاربة من حركة 20 فبراير أن لهذا المغرب حماته، وله مَلَكِيَّتَه العريقة الأحرص على وحدته وقوته واستقراره ونمائه، وله ملكه الذي يتدخل في الوقت المناسب بمبادرات تتجاوب مع حاجيات البلاد وانتظارات العباد وتفوت الفرصة على محترفي الفوضى والمستثمرين في “تخلاط العرارم” والمنتعشين في الفتنة.
    بعد أزيد من عقد يتأكد أن من تجمعوا في تلك الحركة بتناقضاتهم جمعتهم مصالحهم وحساباتهم وتحالفوا على غير أساس لأن همهم كان إضعاف الدولة وإدامة الفوضى. ماذا حققوا اليوم؟
    الحرب على غزة مثال حي على أن حساباتهم الضيقة تتغلب على الواجب الوطني والديني والسياسي والأخلاقي. لقد أصبحت هذه الحرب فاضحة لهم وهي تعري للمغاربة حقيقة الخلافات العميقة التي تفرقهم وأسبابها التافهة التي تتحكم في قراراتهم وتصلب مواقفهم ولو اقتضى الأمر تقسيم الشارع المغربي إلى أكثر من صف رغم أن القضية الفلسطينية ظلت دوما عامل توحيد للمغاربة. كيف يعقل أن هذه الحرب التي توحد العالم كله لاستنكار جرائم القوات الإسرائيلية والتضامن مع الشعب الفلسطيني تفرقهم؟ إنهم يقدمون صورة مشوهة عن المغرب الذي كان من أكثر الشعوب المتضامنة مع أهل غزة.
    من تابع مسيرة الأحد الماضي في الرباط سيلاحظ الأجواء المسمومة التي سبقتها وجو الانقسام الذي حكم الإعداد لها من طرف الجهات الداعية التي أصرت على تصريف حساباتها السياسوية دون الأخذ بعين الاعتبار نبل التضامن والظرفية الصعبة التي يمر منها الشعب الفلسطيني، مع العلم أن هؤلاء المتصدرين لا وزن لهم ولا يتجاوب المغاربة مع دعواتهم ولكنهم ألفوا الركوب على المناسبات وادعاء تمثيل الشعب المغربي وهم لا يتقنون إلا إصدار البلاغات واستغلال المناسبات التي يعرفون مسبقا أن المغاربة سيتجاوبون معها.
    صدمة الجميع كانت قوية وهم يتابعون تراجع أعداد المشاركين الذين لم يعودوا يطيقون الاستغلال الانتهازي للتضامن من طرف هؤلاء للاستقواء به على بعضهم والمزايدة به على الدولة. صار المغاربة يفهمون أكثر من أي وقت مضى أن الكثير من دعاة الوقفات ومحترفي تنظيم المسيرات “المليونية” يستغلون قضية إنسانية نبيلة لحصد مكاسب سياسوية دنيئة. صار المغاربة يقدرون موقف الدولة المغربية المتوازن من هذه القضية، وباتوا يدركون أنه يخدم القضية أكثر من المزايدات الفارغة لمن ظاهرهم نصرة فلسطين وحقيقتهم التي صارت واضحة هي استغلال القضية لإنعاش صفوفهم المتهالكة واسترجاع بعض من الشرعية التي يفقدونها لدى أتباعهم.
    طول الحرب على غزة فضح المتاجرين بآلامهم وقسم جبهتهم وبين أنهم يتسببون في تقسيم المغاربة تجاه قضية ظلت موحدة لصفوفهم. بالمقابل، طول مدة هذا القصف الوحشي على غزة بين للمغاربة الموقف المبدئي للدولة المغربية من القضية الفلسطينية واستنكار جرائم الاحتلال الإسرائيلي. تأكد اليوم أن إعادة العلاقات مع إسرائيل لم تكن شيكا على بياض أو ضوءا أخضر لقواتها للاعتداء على الفلسطينيين وضرب الشرعية الدولية. تبين للمغاربة أن مستوى هذه العلاقة يتحكم فيه المغرب وفق ما تحقق من حقوق للشعب الفلسطيني واحترام لقرارات الشرعية الدولية. يفهم المغاربة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن انحياز المغرب للحق الفلسطيني مبدئي، وخاصة حين يقرؤون ما يتداول في الإعلام الإسرائيلي عن الجهود الإسرائيلية لجر المغرب والاستنجاد به في قضايا تحرير الرهائن والمساعدات وترتيبات اليوم التالي لوقف إطلاق النار معولة على علاقاته الجيدة مع باقي الأطراف.
    امتازت سياسة المغرب تجاه القضية الفلسطينية بالوضوح والجدية وعدم الانجرار إلى منطق المزايدات وضياع الوقت، وأثبت المغرب انخراطه في كل مبادرة جدية تروم وحدة الصف الفلسطيني وخدمة الحق الفلسطيني وإحلال السلم في المنطقة، وحين تغيب الإرادة لتحقق ذلك يصبح من العبث الانخراط في مسلسل يزكي جرائم الاحتلال أو يخدم أجندة تشتيت الصف الفلسطيني أو يضر بالشعب الفلسطيني.
    استيقظت الجماعة الياسينية من أضغاث أحلامها على واقع لم تكن تنتظره بعد إصدارها لما سمته وثيقة سياسية تظن أنها ستكون بوابة العبور إلى المغاربة والخروج من عزلتها التي تعيشها منذ فشل “ربيعها”.
    استفاق عدلاوة على وقع حقيقة مرة. ما تزال الأسئلة إياها مطروحة عليها ولم تزدها الوثيقة إلا إلحاحا بحكم الغموض والضبابية التي طبعت فقراتها. وطبعا ما يغيض الجماعة أن هذه الاستفهامات تصدر ممن ظنت أنهم الأقرب إليها وحلفاءها بينما أصيبت باليأس وهي ترى المغاربة يتجاهلون وثيقتها. إجابات قيادات الجماعة لم تبدد الشكوك حول حقيقتها، وكشفت ما يعتمل داخلها من صراعات أجنحة حاولت لسنين التغطية عليها، وبينت أنها لا تنتعش إلا في خطابات المجاملة للغير وتفضح نفسها كلما اقتربت من القضايا التفصيلية. من يستمع لمن تصدى لشرح مضامين الوثيقة من قيادات الجماعة يقتنع بأنها ترفع شعار الدولة العصرية والمدنية للتجمل ليس إلا، بينما حقيقة مشروعها هي إعادة إنتاج دولة الملالي في نسخة “سنية” رديئة يتسيد فيها كهنوت ديني بمبرر أن “الدعوة” فوق “الدولة”، وتحتل فيها الكهنوتية مرتبة أعلى من الدستور كما هو الحال مع المرشد والرئيس في إيران، ولا اعتبار فيها للسيادة الشعبية. من يتابع القيادات العدلاوية يفهم ضحالة مستوى من يدعي أنه الأصلح لتدبير المغرب وهو يتهرب من أبسط الشروط اللازمة ويحرص على البقاء في منطقة الهروب أسيرا لأحلامه حول القومة والطوفان.
    استفاق عدلاوة كذلك على وقع صدمة داخلية سبّبها الانزعاج داخل صفوفها من مضامين وقاموس الوثيقة الغريب عليهم حتى أن هناك من الأتباع من علق ساخرا على محتواها بأنه يحتاج إلى استعمال المعجم لفهم الألفاظ الغريبة على البيئة العدلاوية ومتون الشيخ المؤسس وما يتلقونه داخل الأسر واللقاءات. يرى الكثير من المريدين البسطاء أن الوثيقة إيذان بموت الجماعة التي ادعت قيادتُها ومشايخها أنها دعوية وإحسانية وهم مقتنعون بأنها ميلاد جديد لجماعة لا هي بالحزب ولا هي بالزاوية ولا هي بحركة دعوية.
    بعدما يقارب الأسبوع من إصدار الوثيقة السياسية يسود الغليان وسط قواعد الجماعة التي ترى فيها انحرافا عن خط الشيخ المؤسس ورسالة غزل ومؤشرا لحالة الإنهاك والعياء الذي أصاب القيادة، كما تزايد الشك لدى الكثير ممن اطلعوا عليها حول الالتباس لدى هذه الجماعة التي لم يعد لأحد القدرة على تصنيفها لمعرفة أدوات تحليلها لأنها تتقلب حسب ظروف الزمان والمكان، كما تناسلت الأسئلة عند من صدقوا يوما أن هناك إمكانية لتجري مراجعات بفعل الزمن لتتحول إلى تنظيم مغربي يفهم متطلبات العمل السياسي ويفهم أن هذا البلد تعددي ومتنوع فيعرف حجمه الحقيقي.
    من سوء حظ القيادة العدلاوية أن رغبتهم في الاستقواء بالحرب على غزة وذكرى 20 فبراير فشلت وقد رأوا تفطن المغاربة لذلك وإحجامهم عن التجاوب مع “تسخين الطرح” الذي أرادوا فرضه للاستقواء بالمغاربة على مؤسسات الدولة كما ألفوا منذ عقود تحت عنوان التضامن مع أهل غزة.
    فرنسا هي الأخرى تعيش خريفا غير مسبوق وهي تحصد الخيبات. اكتشف من تماهوا مع ماكرون أن سياساته تجاه المغرب خاطئة وأن رهانه على نظام الجزائر فاشل أيضا ويريدون إصلاح الخطأ بدون الاعتراف به وبدون ولوج من الباب والاعتذار للمغاربة على ما تسببوه للكثير منهم من معاناة إنسانية بسبب أخطاء كارثية غير مبررة مثل التضييق على منح التأشيرة وغيرها.
    ما يقوم به وزير الخارجية من حملة خطابية لتجميل صورة فرنسا الماكرونية لدى المغاربة جميل ولكنه تعبير عن حسن نوايا لا تكتمل قيمته بدون خطوات عملية، وتزامنه مع تشكيل حكومة جديدة له معناه ولكن عليه أن يجيب عن الأسئلة الأساسية التي تهم المغاربة وتخرج فرنسا من منطقة الغموض إلى الوضوح الذي يجعل المغرب يتفاعل معها وفق ما تستحق. خيبات فرنسا في افريقيا وهزائمها السياسية والدبلوماسية والعسكرية في القارة الإفريقية تتحملها إدارة ماكرون ومحاولة الاستدراك بالاعتماد على المغرب غير ممكنة لأن للمغرب مصداقية في هذه القارة لن يغامر بها وسياسات فرنسا في افريقيا لم تصحح بما يتطلبه السياق من اعتراف صريح بأخطائها وإعلان خطوات مغايرة للسابق تعترف لدول القارة بسيادتها وتنطلق في كل علاقة معها من منطلق الشراكة وليس الوصاية الاستعمارية الأبدية.
    على فرنسا أن تعي أن المغاربة غير مضطرين لبذل مجهود لفك شيفرات خطاب فضفاض يحتمل أكثر من تأويل ومعنى. عليها اختصار الطريق وتوضيح موقفها الصريح من القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام المغربي وتشكل الجسر القوي لبناء علاقات ثنائية بين بلدين يجمعهما أكثر مما يضعهما في هذه الوضعية غير المناسبة والتي تتضرر منها فرنسا أكثر.
    الحق ما شهد به آلان جوييه الرئيس الأسبق للمخابرات الفرنسية وهو يصرح لقناة “أوبن بوكس تي في” بأن المغرب تفوق على فرنسا بمبادرة بلدان الساحل وأخذ مكانها في المنطقة وأن فرنسا فقدت نفوذها والأمر أكثر سوءا مما يبدو. يلزم التذكير بأن منطلق الحضور المغربي قاريا ليس منافسة أحد أو أخذ مكان دولة أخرى ولكنه ينطلق أساسا من اقتناع بالحاجة إلى تقوية التعاون جنوب جنوب وتقوية حضور القارة الإفريقية فيه.
    حصاد سوء التدبير لماكرون وفريقه صار ينعكس بشكل أخطر على الداخل الفرنسي ويهدد مصير الألعاب الأولمبية التي تستضيفها باريس بعد شهور. آخر جرس إنذار وجهه تحالف نقابات الشرطة في فرنسا بتعطيل المطارات خلال الأولمبياد إن لم يُستجب لمطالبها الخاصة بالمكافآت وظروف العمل اللائقة، ولنتصور فضيحة فرنسا أمام العالم وهي التي كانت تزايد على دول أخرى بسوء التنظيم واستغلال العمال وعدم احترام حقوق الإنسان. كيف تطفو على السطح مطالب ظروف العمل اللائقة والمكافآت ونحن على بعد أشهر من دورة أولمبية ومن طرف الشرطة؟ أين هي المنظمات التي تقود الحملات حول حقوق العمال والإنسان؟
    أحرص على تفادي الحديث عن شنقريحة ولكن الحماقات التي يرتكبها تضعه في الواجهة دائما وتفضح حكام قصر المرادية وتضع الجزائريين في وضع لا يحسدون عليه وقد ابتلوا بهذا النوع من الحكام. آخر قفشات شنقريحة المضحكة المبكية هي زيارة للسعودية قدمها الإعلام الرسمي الجزائري باعتبارها “زيارة رسمية” يمثل فيها “رئيس الجمهورية” ولكنه لم يحدد لها أجلا واضحا حيث عرف تاريخ بدايتها دون معرفة تاريخ نهايتها، ودون أن يحظى خلالها بلقاء ولي العهد محمد بن سلمان وهو الهدف الحقيقي من وراء الزيارة، بل قدم الإعلام الجزائري إنجازا خارقا لهذه الزيارة تمثل في زيارة شركتين سعوديتين للإلكترونيات ولمحركات الطائرات!!! ولأن الزيارة طالت والأشقاء في السعودية أهل كرم وجود، وحتى لا يبقى شنقريحة في وضعية عطالة قدمت وزارة الدفاع السعودية عرضا بعمرة له فكانت المفاجأة هي الرفض. يرفض شنقريحة زيارة الحرم المكي والاعتمار به. وبعيدا عن الاعتبارات الدينية التي لا يمكن الخوض فيها فإن ما قام به شنقريحة “قلة صواب” ودليل إضافي على أن نظام الكابرانات يلزمه دروس في الدبلوماسية وحسن التعامل ومعرفة قيمة من يتعامل معه. هل تجازى السعودية هكذا؟ هل يتعامل مع السعودية بحجمها ورمزيتها وتاريخها ومكانتها بهذا الجفاء؟ هل بلغ اليأس حد رفض مثل هذا المقترح البعيد عن كل اعتبار سياسي؟ هل كان لرفض اللقاء بولي العهد سبب في هذا الرد؟
    المنطق يبين أن طلب النظام الجزائري للقاء ولي العهد في غير محله وأن الوقائع التي تزامنت معه تؤكد أنه سيرفض وخاصة أن مواقف السعودية من قضية الصحراء المغربية تاريخيا واضحة وتعززت بالرسالة الأخيرة التي أكدت مغربية الصحراء وعدم التساهل مع أي كان بشأنها.
    تستحق هذه التصرفات من شنقريحة وضعها أمام حجم الاستقبال الذي حظي به عبد اللطيف حموشي في السعودية بنفس المناسبة وطبيعة اللقاءات التي أجراها والمباحثات التي كانت موضوعها، والأهم أن السيد حموشي ظل محترِما حدود اختصاصه المهني لأن في المغرب نظام مؤسساتي ودستور يؤطر عمل كل المؤسسات والأهم من كل ما سبق أن الاختصاص الذي يمثله يثبت الحاجة إليه ويعززه النجاح الذي صار يحصده على الصعيد العالمي. وهذه هي دولة المؤسسات والقانون التي يعيشها المغرب ولم تبلغها بعد الجزائر بسبب نظام عسكري متسلط على البلاد منذ عقود.
    آخر الإنجازات التي تجعل المؤسسة الأمنية عنصر قوة للمغرب هي توقيف أحد أخطر المجرمين المطلوبين في بلجيكا والمحكوم عليه بالسجن مدى الحياة منذ 2014 حيث يعتبر هذا مثالا واحدا على الكفاءة الأمنية للمغرب وتعاونه الدائم من أجل محاصرة الجريمة. والمثال الثاني هو اللقاء الذي جمع هذا الأسبوع بين عبد اللطيف حموشي والمفوض العام للاستعلامات بالمملكة الإسبانية الذي يزور المغرب على رأس وفد أمني. هذا الاجتماع في حد ذاته يبين أن التعاون الأمني يشكل أساسا صلبا للتعاون بين البلدين في باقي المجالات ويجعله ذا بعد استراتيجي غير متأثر بمجموعة من العوامل الظرفية.
    إن مثل هذه الحصيلة تجعل نظام الجزائر يفقد صوابه ولا يزن تصرفاته ويدخل في مغامرات تزيده انحدارا، ويزداد ذلك حين يرى دولا مثل الغابون والنيجر وغيرهما من الدول الإفريقية تقترب من المغرب وتبتعد عن الجزائر التي أصبحت توصف بأنها راعية لمنظمات إرهابية وتتدخل في الشؤون الداخلية لدول إفريقية بما لا يميزها عن القوى الاستعمارية القديمة.
    يقال لا قياس مع وجود الفارق، والفارق بين حموشي وشنقريحة كبير جدا فمن يستقي طريقة تعامله من ملكية عريقة تعتبر مدرسة في العلاقات العامة يختلف عمن يستقي من معين الحقد وعقدة النقص تجاه هذه الملكية. ها هي السلوكات تفضح حقيقة الكابرانات، وتبين أن كل إناء ينضح بما فيه، وصدق المثل “لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل”.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    بعد النواب: ميارة يستدعي المستشارين لمناقشة الحصيلة المرحلية للحكومة