نجاعة الاستراتيجية الملكية حول الماء

نجاعة الاستراتيجية الملكية حول الماء

A- A+
  • أصبح الجفاف وندرة التساقطات المطرية معطى بنيويا بالمغرب في ظل التغيرات المناخية الكبرى التي شهدها العالم منذ أكثر من عقد من الزمان، فللسنة الخامسة على التوالي عانى المغرب من جفاف حاد غير مسبوق جعل الضغط يرتفع على الموارد المائية، فأصبحنا نعيش وضعية إجهاد مائي مستمر ينذر بمخاطر جمة تهدد ليس الاقتصاد فقط بل الحياة الطبيعية للكائنات وتهديد الجفاف للعديد من السكان.

    والحقيقة أننا تلقينا من الطبيعة إنذارات مبكرة منذ بداية التسعينيات بخصوص توالي سنوات الجفاف، وعقدت مناظرات كبرى حول الماء، و ظلت توصيات وتحذيرات الخبراء بعيدة عن اهتمام الحكومات المتعاقبة، ولم يلتفت الفاعلون السياسيون لخطورة الوضع حتى عام 2009 مع حكومة عباس الفاسي التي وضعت لأول مرة الاستراتيجية الوطنية للماء، وبتعليمات ملكية تم تخصيص 115 مليار درهم للبرنامج الوطني للماء الصالح للشرب وبرنامج السقي 2009/2030، لمواجهة ندرة المياه مع استنزاف الفرشة المائية، وتمت برمجة 57 سدا أي 3 سدود في السنة، لكن مع حكومتي الإسلاميين وحتى بداية 2022 كان هناك 15 سدا فقط في طور الإنجاز، و20 محطة لتحلية المياه، لم تنجز منها سوى محطة واحدة للتحلية 125 مليون مكعب عام 2016. وهو ما يعني هدر الزمن والجهد وعدم التعاطي الجاد مع مشكل بنيوي يتوقف عليه كل شيء وهو الماء.

  • وهو ما يبرز عدم جدية الحكومات المتعاقبة في قضية استراتيجية تتعلق بحياة المغاربة ووجودهم، هنا جاء التدخل الملكي الذي ما فتئ يؤكد على أهمية الموارد المائية باعتبارها عنصرا أساسيا في عملية التنمية وضرورة استكمال كل المشاريع والقطاعات الإنتاجية، حيث قدم تشخيصا لوضعية العرض المائي، وشدد في أكثر من خطاب على ضرورة تعزيز إطار تدبيري للموارد المائية بغية ضمان استدامتها، ودعم القطاع الفلاحي والسعي بنجاعة لتحقيق انتعاش أخضر قادر على الصمود في ظل المتغيرات المناخية، وكان من نتائج التوصيات الملكية التي أخذت الملف كأولوية كبرى، البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 الذي يعد خارطة طريق مضبوطة لمواجهة التحديات المستقبلية التي تطرحها التغيرات المناخية، وفي مقدمتها توفير الموارد المائية بالكمية والجودة اللازمتين، بغية استكمال بناء السدود المبرمجة، وشبكات الربط المائي.

    وجاء في التوجيهات الملكية التي تتسم بالآنية والاستعجالية لتجاوز إشكالية الجفاف وندرة المياه، غداة تنصيب اللجنة الخاصة لمتابعة البرنامج الملكي الطموح، والتي تتكون من رئيس الحكومة، ووزير الداخلية ووزيرة الاقتصاد والمالية، ووزير التجهيز والماء، ووزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة والمدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. ضرورة مواصلة بناء السدود في مختلف جهات المملكة، وتعبئة الموارد المائية ومواصلة تحسين استراتيجية وطنية متطورة وشاملة، بل اعتبر جلالة الملك الكل مسؤولا عن تدبير هذه المادة الحيوية، حيث دعا الحكومة وباقي المؤسسات المعنية بالماء وكذا كل المواطنين، للتحلي بالصراحة والمسؤولية، في التعامل مع الوضع المائي، وأخذ إشكالية نقص الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول للماء.

    اليوم ها نحن نرى، وعلى خلاف بلدان لنا مجاورة، وبرغم توالي سنوات الجفاف، كيف يصل الماء الصالح للشرب لأبعد مدشر ولأنأى ريف، فقد تم رفع الميزانية الإجمالية للبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي إلى 143 مليار درهم. وتم تسريع مشروع الربط بين الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق وأم الربيع، وبرمجة سدود جديدة، وتحيين تكاليف حوالي 20 سدا يتوقع إنجازها، والتي ستمكن من الرفع من قدرة التخزين ب 6.6 مليار متر مكعب من المياه العذبة، بالإضافة إلى تسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر، والرفع من حجم إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، وتعزيز التزود بالماء الصالح للشرب في العالم القروي، من خلال توسيع التغطية لتشمل المزيد من الدواوير وتعزيز الموارد اللوجستية والبشرية المعبأة.

    الحمد لله الذي رزق هذا البلد ملكا يحافظ على مصالح هذه الأمة ويتجند بتفكير دقيق واستعجالي وبجدية في ضمان أسس حياة المغاربة، وإلا كان كل فريق سياسي يرمي بالمسؤولية للآخر، ويموت الناس وبهائمهم من العطش، منذ أكتوبر عام 2022 كان سيتعطل تزويد مدن كبرى بالماء الصالح للشرب، وكان سيستمر العبث بالموارد المائية لولا التدخل الملكي الذي أخذ يشرف بنفسه على عمل اللجنة الوزارية المعنية بتدبير البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي، وهناك تباشير في وسط كل هذا الجفاف ستحملها الأيام القادمة للمغاربة نتيجة الاستراتيجية الملكية الحكيمة في مجال تدبير الماء.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    فريق الأحرار بمجلس النواب: الحكومة الحالية “حكومة نجاح”