بوح الأحد: توالي قرارات تنزيل مقومات الدولة الاجتماعية

بوح الأحد: توالي قرارات تنزيل مقومات الدولة الاجتماعية

A- A+
  • بوح الأحد: توالي قرارات تنزيل مقومات الدولة الاجتماعية ، المغرب يكثف تضامنه مع الشعب الفلسطيني في مواجهة همجية الإحتلال و العدل و الإحسان في الخارج تدين المقاومة الفلسطينية و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    خطوة أخرى متقدمة نحو تعزيز الدولة الاجتماعية تقدم عليها الحكومة خلال هذا الأسبوع تنفيذا لبرنامج طموح كان أعلن عنه جلالة الملك منذ مدة. الدعم المباشر ليس مجرد مساعدة مالية شهرية منتظمة تتلقاها الأسر المعوزة ولكنه لبنة أساسية لبناء شبكة الأمان الاجتماعي وتوفير متطلبات العيش لملايين من المغاربة. لم تتذرع مؤسسات الدولة بالإكراهات المالية والظرفية الاقتصادية الصعبة، وهي حقيقة لا غبار عليها، لأن للمجال الاجتماعي كذلك أولوية ولتقليص الفوارق انعكاس كبير على كل المجالات.
    المستفيد الأكبر من هذه الخطوة ليس فقط الأسر المعوزة ولكنه المغرب بكل مكوناته، ولا ينبغي النظر إلى هذه الخطوة كنوع من الإحسان لفئات معينة بقدر ما هي حق ولازمة من مستلزمات العدالة الاجتماعية، كما لا يمكن النظر إليها بمعزل عن خطوات أخرى وأوراش متعددة تفتل جميعها في حبل تقوية الطابع الاجتماعي للدولة بما يضمن الحق في الصحة والحماية والسكن اللائق والتعليم والعيش الكريم. الأولى أن تكون هذه الأوراش محط إجماع الكل والأولى عدم إخضاعها لمنطق المزايدة والتبخيس والأولى تشجيع تنزيلها ومراقبة جودة هذا التنزيل.
    لا تهم التكلفة المالية التي يتطلبها الوفاء بهذا الالتزام مقارنة مع فوائد إقراره بالنسبة للمغاربة. لن يحس بأثر وجدوى هذا الإجراء إلا المغاربة الذين يعانون في صمت. سيشكل برنامج الدعم فرصة تاريخية لملايين الأسر لضمان مورد قار ومنتظم يغطي بعض الحاجيات الأساسية ويحميهم من عاديات الزمان وتعليم الأبناء.
    الرسالة الأساسية من هذا البرنامج هي أن المغرب حدد وجهته التي هي الدولة الاجتماعية وحسم أولوياته التي هي كرامة الإنسان المغربي ورسم سياساته التي تعزز الحماية الاجتماعية وانتصر للشعب وللإنصاف. وجلالةُ الملك، بقربه من الشعب واطلاعه على أحواله، هو من رسم الخطوط العريضة لهذه الاختيارات واستعجل تنزيلها لما لها من أثر على مستقبل المغرب الذي تنتظره تحديات كبيرة يلزم أن تنخرط لربح رهاناتها كل الشرائح المجتمعية بنفس الدرجة.
    هو رهان آخر يربحه المغرب وقد كان إلى أمد قريب صعب التحقق ولكن مغرب الانتصارات لا يعرف المستحيل ولا تتحكم في اختياراته فقط إكراهات الأغلفة المالية كلما كان الهامش المتاح يسمح بخوض المغامرة.
    نتمنى أن نستوعب جميعا أن هذه فرصتنا لبناء هذا المغرب بشكل جماعي، ونفهم أن إنتاج الثروة والقيمة المضافة وإنعاش الاستثمار وتقوية تنافسيتنا وتحسين صورتنا مسؤوليتنا جميعا، ونساهم جميعا، كل من موقعه وحسب ما يتاح له، بالعمل لتحسين المؤشرات حتى تعم مخرجات المجهودات التنموية الجميع. ومرة أخرى شكرا جلالة الملك على هذا الاهتمام والحرص على مصالح فئات ومناطق أكثر تضررا وأقل استفادة من عائدات التنمية، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
    يستمر المغرب في موقفه المبدئي المتضامن مع الشعب الفلسطيني وسكان غزة ضد المجازر الهمجية التي تنفذها القوات الإسرائيلية في انتهاك صارخ لحرمة المدنيين والأطفال والمسنين والمرافق الصحية والتعليمية وأماكن العبادة. وتستمر جهود المغرب للتوصل إلى حلول سريعة لوقف العدوان وإطلاق الرهائن المدنيين وإدخال المساعدات وتمتيع سكان غزة بوسائل العيش كغيرهم من ساكنة العالم.
    ما يميز مواقف المغرب تجاه القضية الفلسطينية أنها لا تتأثر بتغير الظروف ولكنها تخضع لمبادئ ثابتة أصر أن تتضمن في الاتفاق الثلاثي حين نص على “موقف المملكة المغربية المتوازن والثابت بخصوص القضية الفلسطينية”. مسؤولية المغرب التي يستحضرها في كل خطواته تجعله يسارع لتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين وهو ما لم يتردد فيه فأرسل طائرتين عسكريتين محملتين بالمساعدات الإنسانية العاجلة، مواد غذائية ومستلزمات طبية ومياه، إلى فلسطين، وتجعله يحرص على إعادة إحياء المسار السياسي وتسريع العودة إلى التفاوض لأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتجنب كل التصعيد الذي لا يتضرر منه إلا المدنيون وجهود المغرب في هذا الباب لن تتوقف إطلاقا على قاعدة حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية ولها كل مقومات الحياة.
    سيقف هذا العدوان وسيكتشف الكل أن منطق المغامرة وهدم كل الخيارات المتاحة لا يؤدي إلى حلول بقدر ما يعقد الوضع أكثر. سيكتشف الجميع بعد حين أن الحل السياسي لن يستطيع صناعته إلا معتدلون من الطرفين يغلبون الأبعاد الإنسانية في سياساتهم، وما يتمناه المغرب هو أن لا تكون أثمان الوعي بهذا باهظة وأن لا يكون الوقت قد فات.
    عبر المغاربة في مسيرة يوم 15 أكتوبر عن تضامنهم مع إخوانهم الفلسطينيين واستنكروا الجرائم الهمجية التي وصل عدد ضحاياها أرقاما مقلقة واستهجنوا ممارسات لا تنتمي إلى هذا القرن، والمغاربة يعيشون بشكل يومي مع هذه القضية ويعرفون الوقت المناسب للعودة إلى الشارع مرة أخرى ولكن فئة من محترفي ملء الشارع وتزجية الوقت بالاحتجاجات يغيظها ذلك وتأبى إلا استغلال كل حدث لممارسة هوايتها والركوب على القضية الفلسطينية لإدامة الاحتجاجات تقوية لمواقعهم السياسية التي عجزوا عن تقويتها من خلال صناديق الاقتراع.
    أصبحت القضية الفلسطينية أصلا تجاريا لدى البعض. يحاول شق من اليسار توسيع جبهته بها وهو الذي فشل في توحيد صفوفه وعجز عن جعل القضايا الاجتماعية نقطة ارتكاز برنامجه ولم يستطع حشد المغاربة لخياراته فوجد في أحداث غزة ضالته مستقويا ب”عدلاوة” في تحالف هجين ومضاد للمنطق والطبيعة والسياسة والإيديولوجيا. لا نستغرب إذن إن أعرض المغاربة عن وقفاتهم لأنهم على وعي بأن آخر ما يهم هذه التيارات الهامشية هو قضية فلسطين ويريدون الانتعاش فقط من خلالها. ولأنهم يجرون الخيبة من مراكش حيث كشفوا حجمهم الهزيل أمام رفاقهم الأمميين فقد أضافوا إلى ذلك خيبة أخرى حين خرجوا من جبة “عدلاوة” واختاروا الاحتجاج أمام القنصليات الفرنسية ففضحوا حقيقتهم في وقفات لم يتجاوز الحاضرون لها أصابع اليدين.
    شق آخر يريد من تأجيج الأوضاع بسبب أحداث غزة تطهير الذات والتوبة من “الخطيئة” التي يتهمون بها بعضهم البعض واسترجاع القواعد التي انصرفت عنهم يوم فهمت أن القيادة كانت تزايد فقط بالقضية الفلسطينية طيلة عقود. يريد هؤلاء بعث رسائل للدولة أنهم الأقدر على التحكم في إيقاع الشارع متجاهلين أن هذا زمن الوضوح الذي لا مكان فيه للرسائل المشفرة والألغاز السياسية وأن قياس الوزن الشعبي لكل حزب له معيار واحد في الديمقراطية التي ينادون بها هو صناديق الاقتراع وواهم من يظن أن الدولة قد تخضع لابتزازه، وعليه أن يراجع هذا الأسلوب المتهالك والبئيس. لا يصلح الأخطاء إلا النقد الذاتي والمراجعات الضرورية والاعتذار عن الأخطاء وطالما غاب الوضوح مع القواعد الحزبية فإن العزوف سيبقى سيد الموقف. ولينتظر هؤلاء نفس النتائج.
    ولأن العدل والإحسان تعيش على صفيح ساخن فهي كعادتها تبحث عما تلهي به أتباعها عن مشاكلها التنظيمية وتخبطها السياسي وجمودها الإيديولوجي وفضائحها المالية لأنها ألفت نجاح هذا الأسلوب في زمن “الدروشة” وطاعة المريد للشيخ لأنه “وجب عليه أن يقف أمامه كما يقف الميت أم مُغَسِّلِه”. في زمن الثورة المعلوماتية لم يعد بإمكان قيادة الجماعة إخفاء الحقائق وبقي أمامها فقط اصطناع قضايا للمناورة والتضليل وتوهيم الأتباع أنها ما تزال نشيطة وقوية ولكنها محاصرة ولتبرر الارتماء في أحضان اليسار المتطرف الذي توجد تجاهه على طرفي نقيض ومع ذلك تحرص على التحالف معه.
    لذلك فالطبيعي أن يبحث “العدلاويون” عن استغلال القضية الفلسطينية لإدامة احتلال الشارع إلى أقصى حد ممكن، ولكنهم يتناسون حالة التناقض والديماغوجية التي يعملون بها. هل يدري المغاربة والأتباع أن الجماعة التي تناصر المقاومة وتتمسك بها كخيار و”تنافق” القومجيين وتغازل اليسار في المؤتمرات والمسيرات والجبهات والمجموعات هي نفسها الجماعة التي تدين المقاومة في سياقات وبيئات أخرى وبلغات غير العربية؟ ألا يعلم هؤلاء أن هذه هي عادة تيارات الإسلام السياسي الذين يضعون لكل مخاطَب خطابا إيمانا منهم أن “لكل مقام مقال”؟ ويمكن في هذا الصدد البحث في خطاب وبيانات كل جماعات الإسلام السياسي باللغات الأجنبية لمعاينة الفرق الواضح في المواقف والمصطلحات والاختيارات.
    لم تخالف العدل والإحسان هذه القاعدة وسمحت لفرعها في فرنسا المسمى PSM، وهي اختصار لاسم جمعية participation et spiritualité musulmanes، أن توقع على بيان إلى جانب منظمات أخرى يتضمن فقرة فيها إدانة صريحة “لجرائم الحرب المرتكبة من طرف كومندوهات حماس ضد المدنيين الإسرائيليين والتي أودت بحياة 1400 شخصا منهم مئات من النساء والأطفال”. هل تستطيع العدل والإحسان أن تتنكر لهذه الجمعية؟ هل تنكر أنها جزء من التنظيم الدولي للعدل والإحسان الذي تطلق عليه تقية اسم “مدرسة العدل والإحسان العالمية” لتميز بين المدرسة والتنظيم استفادة من أخطاء تجربة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؟ هل يمكن أن تتنكر الجماعة لتوقيع هذا الفرع على هذا البيان؟ هل يمكن للجماعة أن تبرر هذا التوقيع؟ هل تملك الشجاعة للخروج العلني لتوضيح ملابسات هذا القرار وهذه الخطوة؟ والسؤال الأهم هو هل بلغ إلى علم القومجيين واليسار هذا الخبر؟ وهل يجرؤون على مساءلة الجماعة عن حقيقته؟
    ستلجأ العدل والإحسان كعادتها للاختباء لمدة وستختار الصمت الذي لا معنى له سوى أن الأمر حقيقة والحدث فضيحة، وقد تقفز خطوة متقدمة فتصدر بيانا تعلن فيه أنه وقع غموض ولبس وسوء تفاهم كما حدث مؤخرا مع فتوى علماء فلسطين التي استباحت دماء اليهود في كل دولة في العالم ثم تراجعت وسحبت توقيعها كما نشرت هيأتها العلمية بعد الخوف من تحمل تبعات هذا التوقيع لأنه ضوء أخضر لاستهداف مغاربة يهود مواطنين أو سياح لا علاقة لهم باختيارات حكومة إسرائيل وتياراتها المتطرفة. ولكن كل هذه المناورات لن تصمد أمام الحقيقة الوحيدة وهي أن العدل والإحسان تلعب على الحبلين وألفت الازدواجية لأنها تحرص على إرضاء الأتباع والرفاق والقومجيين بنصرة المقاومة وترسل بالموازاة مع ذلك رسائل لأمريكا والغرب بأنها مستعدة لتقديم خدمات وقت الضرورة. وهذا ليس بجديد عليها وعلى تيارات الإسلام السياسي التي استعانت بهذه الخطة فيما سمي بالربيع العربي.
    “العدلاويون” مضطرون اليوم لتوضيح أسباب هذا التخبط الفكري بين كلام شيخهم الذي يرفض التنظيم العالمي ويصر على “القُطْرية” كخيار تنظيمي وبين الواقع الذي يعرف وجود تنظيم عالمي للجماعة لا يخفى على كل متابع لحركتها في جل دول العالم، بل إنه تفتح أبوابها لغير المغاربة كذلك، وهم مضطرون كذلك أن يوضحوا للأتباع قبل غيرهم هذا التأرجح بين استعمال كلمة “الوطني” التي نجدها في بيانات بعض المؤسسات وبين كلمة “القُطْري” التي تصر أعلى مؤسسة في دائرتهم السياسية على استمرار استعمالها بما يدل على أن المغرب ليس وطنا ولكنه فقط قُطْر ضمن وطن الخلافة على منهاج النبوة التي يعملون ليل نهار من أجل تحقيقها. هل هؤلاء مغاربة إذن؟ ألا يذكرنا هذا الإصرار بما سبق وقاله مرشد الإخوان في مصر مهدي عاكف في حوار مع “روز اليوسف” في عام 2006 حيث قال “طز في مصر وأبو مصر واللي في مصر”. إنهم لا يؤمنون بالدولة الوطنية ولا المواطنة ولا الوطن. وهم في هذا يشتركون مع الرفاق الأمميين وجامعهم هو كره الوطن.
    لا يمكن فصل ازدواجية مواقف العدل والإحسان عن خلفيتها الشيعية التي تبيح لها التقية، وهذه المرجعية هي التي تجعلها تفضل دولة الملالي وترفض وجود سلطات منبثقة عن الشعب لأنها تفضل حكم العلماء الذين تصنفهم أتقياء وصالحين حسب المعايير التي تضعها هي. ألم ينتبه اليساريون الحلفاء للجماعة اقتراحها أن تتولى إصلاح مدونة الأسرة لجنة من “العلماء الأتقياء الصادقين الذين ينبغي أن تكون لهم الكلمة العليا والحاسمة في الموضوع”؟ أليست هذه هي الدولة الدينية؟ ألا يريدون العودة بنا إلى الوراء؟ أليس كلامهم عن الدولة المدنية مجرد تقية ومرتبط بظرفية كانوا يريدون فيها توظيف شباب 20 فبراير في الشارع؟
    التنظيم الدولي للعدل والإحسان على صفيح ساخن، والساخطون عن قياداته وفسادهم واتجارهم بالدراويش في القاعدة في تزايد وقد أعلنوا جهارا انفصالهم والشروع في بناء جماعة موازية خارج المغرب. هل تملك الجماعة الشجاعة لتنوير الرأي العام حول هذا الموضوع؟ أليس من حق المغاربة معرفة الأسباب؟ ألا يندرج هذا في الحق في المعلومة؟ أم أن هذا ينطبق فقط على المخزن وهم معفيون من واجب الشفافية؟
    ستأتي مناسبة للتفصيل في كل هذه الأمور ولكن إلى ذلك الحين يمكن الجزم أن العدل والإحسان سقطت في امتحان السياسة والدين والأخلاق بهذه الازدواجية المستهجنة من طرف الجميع ومغفل من لا يزال يصدق خطابها العلني وواهم من لا يزال يضع يده في يدها ويمني النفس أنها قامت بمراجعات.
    ولأن مواقف المغرب الثابتة من القضية الفلسطينية تصيب هؤلاء في مقتل، فإن جميعهم يبذل مجهودات خرافية لتبخيسها. آخر الأساليب هي الفايك نيوز الذي لجأت له الكتائب الإلكترونية لحكام الجزائر حين روجت لوثيقة مزورة موجهة إلى مناديب الشؤون الإسلامية لكي يتدخلوا لمنع الخطباء من ذكر فلسطين في المساجد، وسرعان ما اتضح أنها وثيقة غير صحيحة ومختلقة. هؤلاء الذين كانوا يزايدون بالقضية الفلسطينية ويناهضون التطبيع ولكن ساعة الجد أغلقوا أفواههم ومنعوا الشعب الجزائري من التضامن مع الفلسطينيين وصمتوا عن التنديد بالانحياز الفرنسي ضد الفلسطينيين ليعطوا الدليل أنهم بيادق في يد ماكرون ويرغبون في رضاه عنهم ولو على حساب قول الحقيقة ومناصرة الشعب الفلسطيني.
    أحداث غزة فضحت حقيقة فرنسا الماكرونية المنحازة ضد الفلسطينيين. منعت وقفات التضامن تحت طائلة العقاب في خرق سافر لحق دستوري فاضطرت إلى التراجع عنه مجبرة مما يؤكد عدم كفاءة الفريق الماكروني وسوء تقديره لتطورات الأحداث. انحازت لجرائم الحكومة الإسرائيلية وتغاضت عن معاناة الشعب الفلسطيني الذي اختزلته في حماس فأكدت خلل تموقعاتها في كل القضايا وهو ما يؤكد أن ماكرون يضع قطيعة مع تاريخ فرنسا الذهبي. لنعد الذاكرة قليلا إلى الوراء ونتذكر الموقف التاريخي لجاك شيراك سنة 2003 المعارض للحرب التي قررت أمريكا شنها على العراق تحت ذريعة حيازتها أسلحة الدمار الشامل. ولنتذكر الكلمة التاريخية حينها لوزير الخارجية الفرنسي دو فيلبان التي قوبلت بالتصفيق في مجلس الأمن وهو ما لا نراه عادة في هذا المجلس.
    محاولات ماكرون البحث عن دور في هذا الصراع متأخرة جدا، وزيارته للمنطقة غاب عنها التوازن المطلوب، وأسقطت كل حظوظ فرنسا للعب دور مستقبلي في الشرق الأوسط ومن ذلك ما هي مكلفة به في لبنان. هكذا انتهت فرنسا في يد غير الأكفاء وعديمي التجربة الذين يغامرون بمستقبل الجمهورية الخامسة ويعرضون فرنسا لخطر الإرهاب. وهذا ما أكده استطلاع رأي حديث لمعهد إيفوب حين قال بأن 90 في المائة من الفرنسيين يرون بأن شبح الإرهاب يهدد فرنسا واحتمالية حدوث هجمات إرهابية في بلادهم مرتفعة جدا بسبب تداعيات أحدث غزة. ولأن التهديد جدي فقد رفعت الدولة درجة التأهب الأمني إلى مستوى “الهجوم الطارئ”.
    هذه هي النتائج الكارثية لولايتي ماكرون، وآثارها على فرنسا لن تمحى بمجرد خروجه من الإليزيه لأنه أفقد فرنسا الكثير من أصدقائها وحلفائها ومواقع تأثيرها وكبدها خسائر سياسية واقتصادية وثقافية وسيلزمها وقت طويل لمحو هذه التداعيات.
    والحمد لله أن المغرب كان من السباقين الذين فهموا هذه التحولات ولم يبق أسير نزوات ماكرون ونزقيته.
    نلتقي في بوح آخر.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    بوح الأحد: الطوابرية يفضحون أنفسهم بعد تكليفهم بمهمة نشر اليأس و السلبية