بوح الأحد: موقف المغرب الصارم يدفع فرنسا الماكرونية إلى الباب المسدود

بوح الأحد: موقف المغرب الصارم يدفع فرنسا الماكرونية إلى الباب المسدود

A- A+
  • بوح الأحد: موقف المغرب الصارم يدفع فرنسا الماكرونية إلى الباب المسدود، ٱنبعاث جديد للنواة الصلبة للمحور العربي في مواجهة القوى الإقليمية الطامعة و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    تصريح بسيط قض مضجع الدولة العميقة في فرنسا وجعلها تفقد صوابها وتطلق أدواتها الدعائية كالعادة لتتصرف بشكل خبيث ومسموم لتغطي على الحقيقة التي صار الكل يتداولها.
    أدلى الطاهر بن جلون الروائي والمثقف المعروف في الأوساط العالمية، وخاصة الفرنكفونية، بتصريح تحدث فيه عن سبب الخلاف المغربي الفرنسي، و أوضح أنه “تقليل الاحترام من طرف ماكرون على المغرب”. قيمة هذا التصريح تكمن في نَسْبِ الطاهر بن جلون كلامه إلى “مصادر موثوقة” دون تسميتها ولكن مكانته ومصداقيته تبعده عن اختلاق مثل هذا التصريح الذي يؤكد فقط ما يتم تداوله منذ شهور وسط النخب الفرنسية عن سبب الخلاف وتحمل ماكرون مسؤوليته. قيمة هذا التصريح كذلك تكمن في توقيته لأنه يميط اللثام عن حالة الخفة والتسرع وعدم التثبت التي صارت تطبع ساكن الإليزيه ومساعديه في تدبير قضايا تهم المصالح الحيوية لفرنسا. بعد كل هذه الشهور من الخلاف تؤكد كل التقارير غياب معطيات ملموسة تضع المغرب موضع اتهام بالتنصت على الرئيس الفرنسي أو مسؤولين فرنسيين، وهذا ما يضع فرنسا الماكرونية في موضع حرج كبير تجاه الشعب الفرنسي قبل غيره.
    بقية القصة نعرفها جميعا، وكلها تفتل في حبل حالة الضعف التي صارت تدبر بها فرنسا في عهد ماكرون أسير مصالح الدولة العميقة والتي وظفت كل ما تملك من أدوات للإساءة للمغرب وإخضاعه بما في ذلك المنابر الإعلامية والمنظمات الحقوقية والبرلمان الأوربي والتضييق على المغاربة طالبي التأشيرة والتقرب من نظام الكابرانات.
    أول ما يثير الانتباه في كل هذا الموضوع وطيلة كل هذه المدة هو قوة جلالة الملك وصلابته وحرصه على سيادة الدولة المغربية ورفضه لكل سلوك يريد الانتقاص منها مهما كانت درجة القرابة مع مرتكبيه ومهما وصلت المصالح المشتركة معهم. انتصار الملك محمد السادس للمغرب وعدم تقبله الاتهامات المفتقدة لأي دليل من طرف ماكرون ورفضه لكل تقليل احترام للمغرب وسيادته دليل آخر على أن المغرب ليس تابعا لأحد وأنه لا يضع سيادته موضوع مساومة ولا يمكن أن يخضع للابتزاز ويعي جيدا خلفيات مثل هذه التصرفات التي تستهدفه وأبعادها ومراميها. يتلقى المغاربة هذه الأخبار بإكبار لجلالة الملك ويقتنعون أن الثقة في الملكية مبنية على تاريخ ومعطيات صلبة تعضد كلها الالتحام القوي للملكية بالشعب والاصطفاف الوطني في كل قضايا ومصالح المغرب. في هذا درس لكل النخب المترددة والمرتجفة والمرتعشة والتي تلعب على الحبلين وتخشى من الماما فرنسا.
    أخطأت بعض دوائر القرار في فرنسا كثيرا في حق المغرب حين ظنت أنها بإمكانها ابتزاز المغرب بملفات فارغة واتهامات باطلة، وأخطأت إدارة ماكرون في تقديراتها حين توهمت أن خيارات المغرب محدودة بعيدا عن فرنسا، وأخطأت الدولة العميقة في تقدير القدرة التأثيرية لوسائلها فظنت أن إخضاع المغرب مسألة وقت وأن صموده ضد رغباتها لن يطول كثيرا. لم تتعلم الدولة العميقة الفرنسية من الدروس السابقة، ولم تستوعب أن الزمن تغير وأن الخيارات المتاحة أمام المغرب كثيرة وأن جاذبية المغرب دوليا تتنامى وأن للمغرب كذلك أدوات ضغطه. لم تستوعب هذه الدولة العميقة أن صناع القرار في هذا البلد يتحركون بوازع تامغربيت ويستحضرون نصب أعينهم مصالح المغرب والمغاربة ولا شيء غير ذلك.
    ظنت فرنسا أن عامل الوقت في صالحها ولكنها اكتشفت أنه صار عنصر ضغط يزيد من أعبائها ويضيق هوامش الفعل أمامها، وصارت تستوعب أن سوء العلاقات مع المغرب ورقة انتخابية قد تكون لها نتائج وخيمة على ماكرون وحزبه ولكنها ظلت تراهن على حِلم المغرب وحكمة الملك في اتخاذ مبادرة من طرف واحد لإنهاء هذا الخلاف. يتناسى ماكرون ومن يدفعه بهذه الطريقة أن جلالة الملك قد يتسامح في قضايا تخصه شخصيا ولكنه لا يتسامح في قضايا تهم عزة المغاربة وتتعلق بسيادة المغرب وتمس استقلالية مؤسساته وتضع البلد موضع اتهام بدون دليل أو تسعى لابتزازه.
    تزامن الإخفاق الفرنسي في العلاقة مع المغرب مع إخفاق شامل في العلاقة مع دول أخرى مما جعل الفرنسيين وأصدقاء فرنسا يستنتجون أن إدارة ماكرون هي القاسم المشترك بين كل هذه الإخفاقات ومن شأن استمرارها توسيع هذه الإخفاقات ووحدها فرنسا من يدفع الثمن.
    بالمقابل، نجح المغرب في تنمية شراكاته وتنويعها مع شركاء آخرين وتطوير علاقاته مع الاتحاد الأوربي بعيدا عن الوصاية الفرنسية، وهو ما أصاب الدولة العميقة في فرنسا بحالة اليأس والإحباط وجعلها تتصرف بطريقة انفعالية وبدون تفكير في عواقب تصرفاتها التي تفتقد اللياقة التي يجب أن تتحلى بها تصرفات دولة في حجم وتاريخ ومكانة فرنسا.
    إقدام وكالة الأنباء الفرنسية AFP على نشر خبر عن نشاط ملكي في باب “الناس والحيوانات” خطأ يتجاوز الطابع المهني إلى خطأ سياسي وأخلاقي ودبلوماسي ترتكبه “الوكالة العريقة” عن سبق إصرار وترصد تنفيذا لتعليمات “الدولة العميقة” المالكة لها والمتحكمة في خطها التحريري. وارتكاب هذا الخطأ سببه الأساس حالة العمى والحقد الذي حركه غالبا فضح تصريح الطاهر بن جلون للمتسبب الحقيقي في حالة الخلاف بين فرنسا والمغرب والخوف من تداعياته لدى الرأي العام الفرنسي الذي ينتظر تكذيبا رسميا لهذا التصريح من طرف ماكرون وتوضيح أسباب ذلك على ضوء غياب دليل رسمي كشفت عنه التحقيقات الفرنسية حول تورط المغرب في التجسس على مسؤولين فرنسيين.
    إقدام “الوكالة العريقة” على حشو جملة “عودة الملك بعد غياب” في تغطيتها للنشاط الملكي تدخل في شأن مغربي بدون دراية بمعطياته والإطار الدستوري والقانوني والمؤسساتي الذي ينظمه. فرنسا التي ما فتئت نخبُها تنتقد المخزن والملكية وتدخل الملك في كل شيء هي التي تسلط أداتها الدعائية لتثير غياب الملك دون أن توضح بالوقائع طبيعة هذا الغياب وسنده الدستوري. هل غاب الملك عن نشاط أو مناسبة تستدعي حضوره؟ هل عطل الملك عمل الدولة ومرافقها فيما يتعلق باختصاص من اختصاصاته؟ هل أخلف موعدا قطعه لأحد؟ ألا يفهم من هذا الحشو الزائد نوعا من التذمر الفرنسي من التجاهل المغربي الرسمي للتسريبات المخدومة التي كان مصدرها أدوات الدعاية الفرنسية التي بشرت بقرب زيارة ماكرون للمغرب؟ ألا يؤكد هذا الحشو أن “الوكالة العريقة” مجرد سوط في يد الدولة العميقة في فرنسا؟
    لقد كتبنا حين تناسلت تلك التسريبات عن قرب زيارة ماكرون للمغرب أن لا معطيات تؤكد صحتها وأنها مجرد بالونات اختبار وأوراق ضغط على المغرب وأنها لا تعدو أن تكون أمنيات فرنسية تتمنى أن يستجيب لها المغرب بعقد لقاء بين ماكرون و الملك محمد السادس. كان مفهوما حينها أن فرنسا الماكرونية تبحث عن طوق نجاة من ورطتها وتعول على الملك لينقذها بدون أن تعتذر عن إساءتها أو تعترف بخطئها أو تتراجع عن سياساتها العدوانية ضد المغرب. كتبنا حينها أن هذا الأسلوب قديم ولم يعد ينفع مع المغرب. والآن نؤكد أن هذا التحريض الفرنسي ضد المغرب يؤشر على حالة الضعف التي صار يستشعرها فريق ماكرون تجاه ملف العلاقة مع المغرب وتسببه في تدهورها بفعل قراراته الخاطئة وارتكازه على ادعاءات كاذبة لم تسندها نتائج كل التحقيقات التي يفترض أن تعلن نتائجها للرأي العام بعد كل هذه المدة. هنا على فرنسا أن تعلم أن المغرب لن يكون منظفا لأخطائها و وسخها، وعلى ماكرون وحوارييه تحمل مسؤولياتهم تجاه الفرنسيين وتحمل تبعات سياستهم تلك، والأهم تحمل نتائج اختيارهم الانتصار لنظام الكابرانات على المغرب. ومرة أخرى لا يلزم المغرب فرنسا ولا يطلب منها قطع علاقاتها مع الجزائر فهو ينأى بنفسه عن التدخل في شؤون الغير ولكنه يشترط أن لا يكون ضحية لها أو تنتعش على حساب مصالحه.
    لجوء الدولة العميقة إلى بعض المتقاعدين لتقديم الخدمات الخبيثة هو تعبير عن حالة الفشل واليأس الذي يسود وسط قصر الإليزيه. اتهام جيرارد أرو، السفير الفرنسي الأسبق بالأمم المتحدة وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، المغربَ بابتزاز فرنسا قمة في التضليل والكذب وتأكيد على حالة الانفصام عن الواقع التي تحكم سلوك وتفكير أدوات الدولة العميقة التي لم تتخلص بعد من مقاربتها الكولونيالية لقضايا الدول التي سبق أن كانت من مستعمراتها. ما يزال أمثال جيرارد موجودون للأسف في مطبخ صناعة القرار الفرنسي ويفكرون بأن المغرب بدون فرنسا لن يربح معركة الدفاع عن وحدته الترابية بينما الحقيقة تؤكد أن سلسلة الانتصارات المغربية لا علاقة لها بتحسن أو توتر العلاقات مع فرنسا وأنها نتيجة لمجهود متواصل مع أطراف متعددة صارت مقتنعة بأن الصحراء مغربية والمقترح المغربي لحل النزاع واقعي وعادل. جيرارد الذي ألف دبلوماسية غرف النوم وكلام “قلة الحياء” ولذلك لم يجد ما يشبه به المغرب سنة 2014 سوى كونه “العشيقة التي ننام معها كل ليلة، والتي لا نحبها بالضرورة، لكننا مُضطرون للدفاع عنها”. لم يستفق جيرارد ومن يستخدمه من ثمالتهم رغم كل هذه السنين ولا ندري ما الذي يجعلهم مضطرين للحفاظ على العلاقة مع المغرب؟ أو ما الذي يجعلهم اليوم يرغبون في زيارة المغرب؟ أو اللقاء بملك المغرب؟ من يضطرك يا هذا ويجبرك على هذه العلاقة؟ خذ راحتك واربط علاقة مع من أنت والدولة العميقة مقتنعين بالعلاقة معهم واتركوا المغرب وتجنبوا تسول زيارة رسمية له تبيضون بها صورتكم أمام الفرنسيين وأنتم على مقربة من الانتخابات.
    لن تنجح هذه الأساليب الفرنسية في إعادة المياه إلى مجاريها قبل الاعتراف الفرنسي بالخطأ في حق المغرب، وقبل الاعتذار للمغاربة عما سببته سياساتهم من إساءة وضرر لهم، وقبل استيعاب المتغيرات التي يلزم على فرنسا أخذها بعين الاعتبار والتخلص من وهم أنها وصية على المغرب، وقبل الاقتناع بأن للمغرب مصالح مع فرنسا ومع غيرها وهو وحده من يقدر كيفية تدبير العلاقة مع كل الدول والمجموعات التي تتقاطع مصالحه معها.
    للأسف ما تزال الدولة العميقة في فرنسا تتصرف بمنطق استعلائي وبعقلية أنها سلطة حماية ورعاية لدول هي اليوم مستقلة وتشق طريقها نحو التحرر والتنمية بعيدا عن عقليتها. هذا ما يجعل أمثال جيرارد، وهو مجرد عبد مأمور وصدى ممجوجا لصوت جهات نافذة، يتحدث على أن المغرب ينسى الزمن الذي كانت فيه فرنسا وحدها تدافع عن المغرب ويتجاهل المسكين أن فرنسا كانت مضطرة سياسيا وأخلاقيا لذلك وإلا فخسارتها كانت ستكون كارثية وستضعها في وضع أسوأ مما هي عليه الآن. وهذا ما يجعل أمثال جيرارد يتسرعون ويصفون عدم تعيين المغرب لسفير في فرنسا بالابتزاز مع أنه شأن سيادي مغربي خالص ويخضع لترتيبات لا علاقة لفرنسا بها طالما أن مرافق السفارة الفرنسية تدار بشكل عادي.
    على فرنسا أن تتواضع بعض الشيء وتعيش الواقع كما هو وتعالج أخطائها وتستدرك نقط ضعفها وتركز على قضاياها الداخلية قبل أن تنغمس في قضايا غيرها. على فرنسا الماكرونية أن تتخذ قرارات جريئة لتخفيض منسوب الاحتقان الذي يهدد سلمها الاجتماعي، وعليها أن تراجع السياسات التي تهدد نسيجها المجتمعي، وعليها أن تراجع دبلوماسيتها التي تجعلها في الهامش تجاه القضايا التي ستصنع عالم المستقبل. هذه هي الأولويات التي يجب أن تتصدر جدول العمل الفرنسي وليس شيئا آخر. على فرنسا أن تفهم أن ازدواجيتها صارت مفضوحة ولعبها على الحبلين يضرها أكثر مما ينفعها. وهذه مناسبة لتذكير الآلة الدعائية الأخرى للدولة العميقة قناة فرانس 24 بأنها كان عليها أن تستحيي حين نقلت تصريح وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا بأن تنظيم “الدولة الإسلامية” “داعش” لايزال يشكل خطرا على أمن فرنسا. هل نسيت هذه القناة أنها هي من مكن داعش من منصتها للبث والتواصل مع الجمهور؟ هل تناست هذه القناة أنها هي من احتفت بحوارها مع زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” أبو عبيدة يوسف العنابي؟ ألم تقدمه كنصر مهني وسبق صحافي استغرق الإعداد له سنة من التسول لنيل هذا “الشرف”؟ ألم تتصرف القناة بأنانية وهي تقدم تصريح هذا الإرهابي الذي عبر على أن جماعته “تركز على القتال في أفريقيا ولم تجهز لأي عمليات في الغرب أو على الأراضي الفرنسية”؟ كيف نثق في مثل هذه التصريحات الفرنسية الرسمية ونحن نرى في الواقع نقيضها؟ كيف يمكن للدول المجتمعة في الرياض في إطار التحالف الدولي ضد داعش أن تتعامل بجدية مع هذه التصريحات وهي تلاحظ تزامن ذلك الحوار مع الإفراج عن الرهينة الفرنسي أوليفييه دوبوا الذي اعترف العنابي في ذلك الحوار بأن تنظيمه هو من اختطفه؟ ألا يستنتج مما سبق وجود صفقة على غرار صفقات سابقة كانت تنتهي بالإفراج عن رهائن فرنسيين مقابل فدية تدفع سرا؟
    فك هذه التناقضات هو ما يجب أن تشتغل عليه فرنسا لتنال مصداقية.
    قرار المغرب في الرباط وليس خارجها، وإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه مع فرنسا يلزمه مقدمات وشروط، والكرة في ملعب ماكرون وفريقه، ولهم وحدهم طبعا صلاحية الاختيار، ويمكنهم الاتعاظ بمصير العلاقة مع الكابرانات التي صارت فرنسا على وعي تام بأن الرهان عليها مغامرة بسبب تقلبات المزاج العسكري لنظام قصر المرادية وحالة الانفصام التي تطبع العلاقة بين الجزائريين والنظام العسكري الذي تعرف فرنسا التداعيات السلبية مستقبلا لوضع يدها في يده على حساب الشعب الجزائري.
    يمكن وصف مفاوضات بوزنيقة بين الأطراف الليبية (اللجنة الليبية المشتركة 6+6) مثالا آخر على نجاح الدبلوماسية الهادئة والناضجة بعيدا عن الضجيج الإعلامي والحرص على تحقيق مكاسب ضيقة على حساب الليبيين، وهي عبارة عن امتداد لاتفاق الصخيرات عام 2015. رعاية المغرب لهذه المفاوضات في هذا التوقيت بالذات ورضى كل المكونات بالجلوس على طاولة مفاوضات في المغرب ومواضيع المفاوضات ومخرجات التفاوض مؤشرات على الاحترام والمصداقية التي يحظى بها المغرب لدى كل الأطراف المعنية بالملف الليبي والتي لها مصلحة في حل هذا الخلاف. نجاح المغرب في تدبير المفاوضات وحالة التقدم التي أحرزتها سببه عامل أساسي وحاسم هو احترام المغرب لدوره في رعاية التفاوض دون التدخل في موضوعات التفاوض أو الضغط على أطرافه أو وضع رهانات خارج مصالح المتفاوضين أو إخضاعهم للضغط أو ما شابه ذلك. ويلزم بالمقابل ثلاثة عوامل لتنزيل تلك التوصيات. أول هذه العوامل هو قدرة مكونات التفاوض على إقناع قواعدهم وتغليب مصلحة ليبيا واستقرارها، وثاني العوامل هو الدعم الذي سيقدمه المنتظم الدولي للفرقاء الليبيين لتنزيل مقتضيات الاتفاق، وثالث العوامل هو توقف التشويش على هذا الاتفاق الذي بدأ نظام الكابرانات يمارسه على بعض مكونات التفاوض للحيلولة دون إكمال مسطرة توقيعه وتفعيله حتى لا ينسب الحل للمغرب. يغامر نظام تبون وشنقريحة باستقرار المنطقة ويضرب بعرض الحائط مصلحة ليبيا ويغيب أن الشعب الجزائري متضرر من استمرار التوتر في دولة يقتسم معها الحدود بسبب حقد أعمى ضد المغرب.
    يحسب للمغرب حياده الإيجابي ويعضد نجاح وساطته اقتناع كل أطراف الملف أنه لا يريد منهم مقابلا ولا أطماع له في ليبيا وأن همه الأساس هو مصير المنطقة كلها واستقرارها والعائد الإيجابي لأي تسوية الذي ستستفيد منه جميع دول المنطقة على حد سواء.
    يحسب للمغرب ودبلوماسيته هذا المجهود، وقدرته على حلحلة حالة الجمود في هذا الملف، وتفعيله للسياسة العامة للدولة التي تعزز انتماءه القاري وعمقه الإفريقي والعربي والإسلامي بالانشغال بقضية الشعب الليبي والوطن الليبي الذي يستحق وضعا أفضل ويكفي ما عاناه طيلة عقد من الزمن من تناحر داخلي وحروب بالوكالة لجهات تريد أن تجعل منه ساحة حرب دائمة.
    في بوح سابق وأثناء رصدنا لنتائج الانتخابات التركية وقفنا على مفارقة “نجاح” أردوغان وسقوط الأردوغانية. من يتابع التقارب الإيراني السعودي اليوم يقف على خلاصة مشابهة تتمثل هذه المرة في سقوط سياسة إيران التوسعية والمعادية للدول العربية.
    التقارب السعودي الإيراني دليل آخر على أن الدول لا تقاد بالشعبوية والشعارات ودغدغة العواطف. نظام الملالي وصل نهايته وصار مضطرا للتخلي عن سياساته المذهبية والتوسعية. تطبيع العلاقات مع السعودية اعتراف آخر بتخليه عن بيادقه التي يستعملها للاستقواء على دول المنطقة بإثارة القلاقل داخلها بدوافع سياسية ومذهبية تحريضية وتجزيئية. هل ستنجح إيران في تغيير جلدها والخروج من منطق التقية الذي لا ترى فيه حرجا دينيا أو سياسيا؟ سوف نرى.
    رجوع أردوغان عن سياساته وخطاباته الشعبوية، وتراجع نظام الملالي عن سياسة التخوين للدول العربية والإسلامية التي أسرف في استعدائها دليل آخر على قوة المحور العربي الذي يشكل النواة الصلبة للجامعة العربية. إيران أمام امتحان اختبار الثقة والمصداقية والقدرة على أن تكون عنصرا في حل مشكلات كثيرة تسببت فيها بدءا بمشكلة اليمن والبحرين التي زرعت فيهما الفتنة الطائفية، ومرورا بلبنان التي ترعى الانقسام وتعطيل انتخاب الرئيس فيها وتقيم فيها دولة وسط الدولة، وليس انتهاء بنشر التشيع في المناطق المعروفة تاريخيا بأنها سنية ودعم الحركات الإرهابية وتدريب عناصرها كما يحدث مع عناصر جبهة البوليساريو.
    هذا هو الاختبار الذي ستخضع له إيران في المستقبل القريب ومستقبل العلاقة معها سيتوقف على نجاحها في هذا الامتحان وإلا فإن المحور العربي لن يسايرها في هذه التقية التي ألفتها منذ 1979.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    جو حار نسبيا و تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق كل من الهضاب العليا الشرقية