صحافة الخردة

صحافة الخردة

A- A+
  • صحافة الخردة
    هناك من يسعى عن سبق إصرار وترصد لتمييع العمل الصحافي بالمغرب، وبعضهم كانوا حتى الأمس القريب يتحدثون عن أخلاقيات المهنة وعن حماية حرمة الصحافة من كل من هب ودب، اليوم يريدون دفن ما تبقى من مصداقية في الحقل الإعلامي الوطني بفتح الباب على مصراعيه أمام صحف بلا صحافيين، بلا مقاولات صحافية، بلا تأدية الضرائب ولا إعطاء حقوق الصحافيات والصحافيين في حالة تشغيل أحدهم لحفظ كرامته، حتى أصبح لدينا كثرة الميكروفونات وقلة الصحافيين، تجد في ندوة عشرات الميكروفونات بلا صحافيات أو صحافيين، والمصور هو نفسه الصحافي الذي يطلب ممن يستضيفه أن يطرح السؤال على نفسه ويجيب كما يحلو له وهو التقني الذي يوضب الشريط وهو من يقوم بتوزيعه على وسائط التواصل الاجتماعي بعد نشره في الموقع الإلكتروني، هل هكذا يمكن أن ندافع عن صحافة جادة وعن مقاولات صحافية تحترم تعاقداتها مع من تشغلهم وتضمن حقوقهم، والتزاماتها مع الدولة في تأدية الواجبات الضريبية التي هي المدخل الأساسي لأي مواطنة.
    إن حرية الصحافة لا تعني الفوضى في خلق دكاكين صحافية بلا محتوى ولا احتراف مهني، وبلا شروط تنظيمية يفرضها القانون، فقط للاستئساد بأعدادها انتخابيا في الجمعيات المهنية وفي مجال التنظيم الذاتي للمهنة، لمطامح شخصية وأنانية شعارها “تكاثروا، تناسلوا، إني مستعملكم كأصوات انتخابية في التنظيمات المهنية” المعنية بصحافة الخردة. وحين يقف من له غيرة في وجه هذا الإسهال والتساهل، يتم التباكي بالديمقراطية والدفاع عن المقاولات الصغرى، و… و… غيرها من الأكاذيب التي وحدهم من يرفعونها يعرفون خلفياتها وتوقيت ترويجها. نعم للمقاولات الصغرى، وعلى الدولة تشجيعها وعلى التنظيمات المهنية أن تساعدها حتى تقف على رجليها وتنمو وتكبر، لكن لا لدكاكين صحافة الميكروفونات، لا لتفريخ المواقع الإلكترونية التي لا تشغل سوى مديرها، الذي يصبح هاجسه هو الحصول على بطاقة الصحافة بطرق ملتوية.. وسنقف سدا منيعا ضد تمييع الحقل الصحافي. دفاعا عن الصحافة وحماية للصحافيات والصحافيين من العبث ومن دخلاء المهنة وتجار الويب.
    وهنا أحب أن أتحدث عما يسمى بالمؤثرين، مع احترامي لبعضهم فمنهم بالفعل من يستحقون حمل هذا الإسم، أما الأغلب، فهم في الحقيقة تجار الويب الذين يستيقظون صباحا، وينشئون موقعا مادامت تكلفته أرخص من بائع الكلينيكس ، فيفتح دكانا يسميه موقعا ويبدأ في الخروج بالكاميرا واستجواب الناس أو التقاط أي فيديو من الشارع العام، ويضع ميكروفونه في منصات الندوات الصحافية، نحن لسنا ضد منع الناس من حريتهم في التعبير أو ممارسة التجارة في مواقع التواصل الاجتماعي، “بغيتي تهضر فصالونك أو وسط دارك وتدير إشهار للعوازل الطبية بـ 200 درهم، شغلك هذاك، أنت حر، لكن خلص الضرائب، هذا واجب ضروري ومفروض عليك ولكن تدير حتى انت ميكرو وتخرج للشارع باش تسول المغاربة على إشهار ديال العوازل الطبية أو الفوطات الصحية أو المقويات الجنسية باسم الصحافة، وانت مخلص على المنتوج الذي تروجه بـ 200 درهم”، فهذه جريمة على كل الجسم الصحفي أن ينتفض ضد حشر هؤلاء أنفسهم في مهنة نبيلة، لا أن نعمل على تنظيمهم في إطار مهني ميت ونحسبهم ضمن المنابر الإعلامية، فقط لتبرز أنك أكثر عددا لأنني أتوفر في كل جهة على 20 دكانا باسم الصحافة، فهذا عار على جبين من كان يتشدق بالأمس بأخلاقيات المهنة واليوم يتزعم حملة تمييع المشهد الصحافي والإجهاز على آخر ما تبقى في الصحافة الوطنية من نبل وصدق.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    بعد النواب: ميارة يستدعي المستشارين لمناقشة الحصيلة المرحلية للحكومة