بوح الأحد: ذكرى مسيرات تيه مشاة الأحد و محاولات بعث جثة، بعد فشل ثورة المختبرات

بوح الأحد: ذكرى مسيرات تيه مشاة الأحد و محاولات بعث جثة، بعد فشل ثورة المختبرات

A- A+
  • بوح الأحد: ذكرى مسيرات تيه مشاة الأحد و محاولات بعث جثة، بعد فشل ثورة المختبرات الخلاقة، صحفي رهينة سابق في العراق تحول إلى رقاص إعلامي للدولة العميقة في فرنسا و أمنستي تهب لنجدة سمبريرو

    أبو وائل الريفي
    يتزامن هذا البوح مع ذكرى 20 فبراير التي ستحل غدا. وكغيرها من المناسبات تعرف قراءات متباينة قد تصل إلى حد التناقض، وتعرف، وهذا هو الأهم، استغلالا سياسويا يتعسف على منطق السياسة والتاريخ ويلوي عنق الحقائق لتأويل الحدث بعيدا عن حقيقته.

  • بعودة لشريط ذكريات تلك اللحظة، التي لم يخفى على أحد مصدرها والهدف منها، سنلاحظ أن السياق لم يكن بريئا وكثير من الفاعلين فيه لم يكونوا في مستوى طرح بدائل واضحة تراعي الدول التي استهدفتها هذه الموجة. لذلك كانت النتائج كارثية راحت ضحيتها دول ما تزال تعاني من التداعيات السلبية ومن العشوائية التي طبعت تلك الحراكات. هل دول مثل تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا اليوم أفضل حالا مما كانت عليه قبل 2011؟ لماذا لم تصمد هذه الدول ومنها من أصبح اليوم في عداد الدول الفاشلة؟ أين يكمن المشكل إذن؟
    قد لا يتسع هذا البوح للإجابة عن هذه الأسئلة بما يتطلبه الأمر من إحاطة تبدو ضرورية لفهم نجاح النموذج المغربي في تدبير تلك اللحظة التاريخية، ولكن لا بد من التطرق لمفاتيح هذا النجاح وأسباب الإخفاق في نماذج أخرى سُوق لها في تلك الفترة على أنها يجب أن يحتذى بها في المنطقة.
    هل يمكن أن يسر أحدا اليوم حالُ تونس؟ سقطت البلاد بعد أقل من عقد من الثورة في قبضة الحكم الفردي وفي أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة جعلتها تفقد سيادتها وتصبح رهينة لحكام الجزائر بحثا عن مساعدات على حساب استقلالية قرارها.
    هل يمكن القول بأن ليبيا وسوريا واليمن أحسن حالا مما كانت عليه؟ دول سقطت في فخ الانقسام والطائفية والاحتراب الداخلي.
    هل استفادت مصر من أحداث 2011 أم أنها كانت ضحيتها؟ مصر اليوم غارقة في الديون وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية لا تسر عدوا فما بالك بأصدقائها. مصر فقدت الكثير من تأثيرها الإقليمي والقاري بما جعل أمنها المائي تحت رحمة مشروع سد النهضة الإثيوبي الذي تمت أجرأة تنفيذه في غفلة من الزمن بينما مؤسسات الدولة والمجتمع في مصر منشغلة بنزاعات ومصالح لم تستحضر خطورة الوضع ومآلات هذا الانحراف.
    لماذا نجح المغرب في تدبير تلك اللحظة الزمنية؟ لماذا لم يتضرر من تداعياتها كما خططت لذلك بعض دوائر التأثير التي لم تعد خفية اليوم؟
    أكدت أحداث 2011 أن الملكية صمام الأمان في هذا البلد لأنها تحظى بالإجماع وتتصرف بحكمة وتتميز بالقدرة على المبادرة وتملك مشروعا واقعيا للإصلاح وطريقة ناجحة لتنزيله ولها قدرة على التواصل مع الشعب بكل فئاته وإقناعه.
    أكدت أحداث 2011 أن الإصلاح في المغرب ورش مفتوح بتدرج وبشكل تراكمي ومتوازن بين كل المجالات دون تغليب لورش على آخر. المغرب هو الذي فتح مبكرا ورش الإنصاف والمصالحة دون خوف من تبعات ذلك لأنه امتلك الإرادة السياسية ومعها الاستعداد لما يترتب على ذلك من آثار. والمغرب هو الذي فتح ملف الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة التي كانت ورشا أعاد النظر في شكل الدولة وفلسفة عملها. والمغرب هو الذي اختار الانخراط الإيجابي في المنتظم الدولي مع ما يتطلب ذلك من ملاءمات تشريعية وتجاوب مع المنظمات الدولية. لذلك لم تشكل سنة 2011 قطيعة أو بداية انطلاق مسار الإصلاح، بل كانت فقط تجسيدا للاستمرارية الطبيعية.
    ورش التعديلات الدستورية كان مفتوحا بمذكرات الأحزاب والنقاش العمومي وينتظر فقط اللحظة اللازمة لتفعيله. كان كل من يتتبع تطور السياسة في المغرب يستوعب أن الإصلاحات الدستورية التي توسع مجال القانون واختصاصات الحكومة وتنصف النساء وتضفي الطابع البرلماني على نظام الحكم في المغرب مسألة وقت ليس إلا ومرتبطة أساسا بالفاعلين السياسيين وتوافقهم وما يحققونه في هذا المجال من حشد شعبي لهذه المطالب.
    أخطأ البعض التقدير وتصور أن الضغط كان سبب هذا التحول ولكنه سرعان ما اكتشف الحقيقة. تأثير المظاهرات كان محدودا، وتجاوب الشارع مع هذه الحركات كان محتشما، وتفاعل الدولة مع هذه التيارات كان مثاليا حيث تركت لحالها وفتح الباب لها للاحتجاج دون مصادرة حتى تكتشف حجمها وتعترف بفشلها. بقيت هذه التيارات في الشارع لشهور حتى شعرت بالإرهاق والملل والعزلة، فمنها من انسحب بدون سابق إنذار حفاظا على حصيصه الذي ساءت “تربيته”، ومنها من قاده التنطع إلى العدمية والمقاطعة ثم اكتشف بعد دورة انتخابية خطأه فاستفاق من “النومة الثورية” ليعيش الواقع من جديد ولكن بعد فوات الأوان، ومنها من ما يزال يحن إلى الماضي ويكتشف سنة بعد أخرى أنه أسير مثاليات حالمة ومخدرة. هذه هي الحقيقة التي يتحاشاها بعض من يبحثون في ذكرى كل سنة عن فرصة لإحياء الموتى متناسين أن إكرام الميت دفنه.
    يكتشف مشاة الأحد سنة بعد أخرى عزلتهم وتوقف عقولهم عن الاجتهاد. يرسب مشاة الأحد في الامتحان دائما رغم أنهم يبحثون في كل سنة عن قضايا للتعبئة تبدو للوهلة الأولى أنها قادرة على تجميع الحشود. لماذا لا يحصدون إلا الفشل إذن؟
    يجهل الرومانسيون الثوريون أن المغاربة يستوعبون جيدا حدود الممكن والمتاح ويقدرون كثيرا نعمة الاستقرار ويقتنعون بالإصلاح المتدرج في ظل الاستمرار. ويميز المغاربة بين الشعارات والمشاريع الإصلاحية.
    ليس كل مروج لشعارات أو مُدَّع للطهرانية قادر على الإصلاح.
    جزء من هؤلاء اختلطت عليه الأمور فتصور الدولة ضعيفة وركب قطار المزايدة وسرعان ما اكتشف أنه بعيد عن الشعب الذي وضع مسافة كبيرة معه ومع طروحاته لأن وحدة الدولة وقوتها خط أحمر.
    جزء ثان تصور اللحظة سانحة للترويج لأفكاره الماضوية فاصطدم مع حقيقة جعلته يستفق من مناماته التي صارت كوابيس.
    جزء من الأسماء التي سطع نجمها في تلك اللحظة التاريخية عاش حالة تيه وتخبط. أين هي اليوم تلك الأسماء؟ اكتشف من كان يجهل حقيقتها أنها كانت تلمع صورتها وتبحث لنفسها عن مواقع للانتفاع الشخصي.
    جزء آخر اختار دخول اللعبة وتجريب حظه ونال الفرصة وحظي باختيار الشعب لأكثر من ولاية. اكتشف المغاربة أن تدبير شؤون الدولة وإنجاح معركة الإصلاح ليس شعارات أو خطب استهلاكية. يحسب للمغرب أنه تعامل مع كل التيارات على قدم المساواة ونال الإسلاميون فرصتهم بالكامل كما نالها من قبل اليسار والليبراليون والوطنيون.
    اختار الرأي العام تجريب الإسلاميين كغيرهم من القوى وكان لهم ذلك دون أدنى تدخل من الدولة. اكتشف المغاربة أن هؤلاء كانوا ضحايا خطابهم البعيد عن منطق الدولة ومقتضيات تدبيرها. الشعارات غير الواقعية وتسويق الوهم وتوزيع الوعود غير القابلة للتنفيذ خلقت حالة إحباط أنتجت رد فعل انتقامي ضد حكومات الإسلاميين كانت نتيجتها خسارة انتخابية غير متوقعة وغير مسبوقة. لم تكن في الحقيقة خسارة انتخابية فقط بل كانت خسارة سياسية وإيديولوجية وأخلاقية ستستمر تداعياتها لمدة غير قصيرة.
    اكتشف المغاربة والأحزاب أن النقلة النوعية للمغرب تتطلب قرارات شجاعة ومقاربة جديدة للشأن العام. يتطلب مسلسل التنمية في المغرب تطويرا حقيقيا للاقتصاد وإنعاشا للاستثمار وتوسعا في الشراكات وتقوية الصداقات مع القوى المؤثرة وحسن تسويق مقدرات المغرب وعناصر قوته. لن تخلق الثروة بقرارات فوقية ومناكفات سياسوية ومزايدات انتخابية.
    اكتشف المغاربة أن جلالة الملك امتلك القدرة على فتح هذه الواجهة وتفعيلها بعد طول انتظار للفاعلين الحزبيين والحكوميين بدون نتيجة وبعد التنبيه المتكرر لهذا الاختلال في أكثر من مناسبة كان فيها صريحا وهو يشير إلى مكامن الخلل وأسبابه.
    تدشين المشروع بالانفتاح على افريقيا باعتبارها عمقا وحضنا وحلفا، والعودة للاتحاد الافريقي وتطوير تعاون جنوب جنوب وتنويع الشركاء. وصفة سحرية حولت المغرب إلى قبلة للشراكة ومنحته مصداقية لدى الأفارقة وجعلته قوة إقليمية ذات جاذبية.
    نجاح المقاربة الجديدة لم يكن سهلا لأن فرنسا الماكرونية لن تقبل بالمغرب قوة في القارة الإفريقية ولن ترضى أن يكون له شركاء آخرون. ولذلك فهي صارت أشد أعدائنا ولا تألو جهدا في كل المنتديات والمناسبات للنيل من المغرب وتشويهه وإضعافه والبحث عن إخضاعه. والأكيد أنه لن تتوقف عن مناوراتها رغم الهزائم التي تتلقاها في كل الملفات التي تحركها ضد المغرب.
    لم يعد بمقدور الدولة العميقة في فرنسا، التي أصبح ماكرون أسيرا لمنطقها الكولونيالي، إيقاف توسع المغرب وتمدده والتحكم في قراراته. لم يعد بإمكانها إيجاد قضايا حقيقية للي ذراعه فلجأت إلى الأساليب الدنيئة والطرق الحقيرة.
    آخر هذه الأساليب ما سربته جهات في الدولة العميقة لجريدة لوفيغارو، وهي بالمناسبة من المنابر التي شاركت في غذاء العمل السري مع ماكرون لتلقي التوجيهات منه حول طريقة تغطية الاحتجاجات المليونية للفرنسيين ضد قانون التقاعد، حول تحقيقات القضاء البلجيكي. قصاصة قصيرة ملغومة مليئة بالأخطاء وهدفها التضليل وناقلها صحفي مشبوه ومحتواها لا يصدقه عقل وناقلوها ومروجوها ليسوا إلا الطوابرية الأجراء في وكالة الخدمات بالمناولة التي يسيرها من الخلف الحاقدون على المغرب. من أبشع ما يمكن ان تقرأه في الإعلام الفرنسي تحليلات لا تستند إلى أي منطق وتجد من يروج لها دون التثبت والتأكد من صحة معطياتها مع أن أبسط توظيف للعقل يجعلها في خانة الفايك نيوز.
    نشر الصحفي جورج مالبرونو بداية الأسبوع بأن العدالة البلجيكية نقلت مذكرات توقيف إلى السلطات الفرنسية في حق عدد من المسؤولين المغاربة المتورطين في فضيحة فساد البرلمان الأوروبي مؤكدا على لسان دبلوماسي فرنسي مجهول “نشعر بالحرج إذا اضطررنا إلى اعتقالهم. هؤلاء الأشخاص لديهم أطفال في فرنسا”. هل يقبل عقل سليم هذا الكلام؟
    هذا الصحفي كان رهينة في العراق، إلى جانب كريستيان شيسنو من إذاعة فرنسا الدولية، اللذين تم الإفراج عنهما بكفالة دفعتها الدولة الفرنسية قدرت حينها حسب مصادر إعلامية ب15 مليون دولار، وهو معروف بارتباطاته بجهة مخابراتية فرنسية لا تخطئها حاسة الإدراك لدى كل قارئ لما يَنْشُرُ، وكتاباتُه كلها يُتعامل معها كرسائل لهذه الجهات لأنه ليس صحفيا مهنيا ولكنه ساعي بريد مقنع بقناع صحفي.
    المعروف في منطق العدالة أن مذكرة التوقيف لا تصدر في حق أحد قبل استدعائه والاستماع إليه. والمؤكد أن مذكرة التوقيف لا تكون سرية بل يبلغ بها المعني بالأمر وتنشر أحيانا. والمتعارف عليه أن هذه المذكرة ترسل لموطن المطلوب توقيفهم ومكان سكناهم. فأين ما نشرته لوفيغارو من كل هذا؟ ولماذا ترسل مذكرات التوقيف للقضاء الفرنسي؟ وهل ذلك المبرر المتعلق بأبناء المعنيين بالتوقيف القاطنين في فرنسا مقبولة منطقيا وقانونيا؟ منذ متى كان في القانون مباحا استحضار مكان سكنى الأبناء في التبليغ والتوقيف؟ ولماذا لم يعلن هذا “الصحفي” ومنشوره أسماء المسؤولين المغاربة الحاملين للجنسية الفرنسية؟ هل هو بعلاقاته عاجز عن ذلك؟
    لنعتبر من الآن أن التحدي مفتوح أمام هذا “الصحفي” لنشر لائحة المبحوث عنهم حسب ما ادعاه. ولنعتبر أنه معني بنشر لائحة المسؤولين المغاربة الحاملين للجنسية الفرنسية إن كان صادقا فعلا. هناك الكثير من أصدقائه المدمنين على هذا البوح الذين نتمنى أن ينقلوا له هذا التحدي. على الأقل يقدمون هذه الخدمة مقابل خدمات الوكالة والمناولة التي يقومون بها إشهارا ودعاية لهذه الأخبار التضليلية.
    هناك من زاد في الخيال العلمي فنشر اشتراط المغرب على فرنسا اتخاذ موقف من الجزائر لتيسير زيارة ماكرون للمغرب دون أن يقدم دليلا أو حتى إشارة تسند هذه الادعاءات الباطلة. والتحدي هنا كذلك مفتوح لناشري هذه الأكاذيب لدعمها بأدلة.
    ما سبب إسهال الفايك نيوز الذي أصاب أبواق الدولة العميقة في فرنسا؟ إنه سؤال جدير بأن نجيب عنه.
    منذ أكثر من سنة وماكرون ينتظر برمجة زيارة للمغرب، ولمح لذلك وصرح به كذلك أكثر من مرة. قصر الإليزيه ينتظر من الرباط تحديد موعد الزيارة دون أن يتلقى جوابا. السبب واضح. سياسة الرباط واضحة ولا تقبل الازدواجية. ماكرون ضيف مرحب به إن راجعت فرنسا مواقفها العدائية ضد المغرب واستحضرت عمق العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة مع المغرب واحترمت استقلالية القرار المغربي.
    لا يشترط المغرب على فرنسا معاداة الجزائر لأنه شأن لا يهمه في شيء، وتحسن العلاقات الجزائرية الفرنسية لا يضر المغرب. الضرر الحاصل من فرنسا سببه غموضها في قضايا تهم المغرب وازدواجيتها ونفاقها واستهدافها لمصالح المغرب وتضايقها من المغرب ورغبتها في إخضاع العلاقة الثنائية لمنطق التابع والمتبوع.
    ما ينشرمن أكاذيب في إعلام الدولة العميقة الفرنسية استباق لاحتمالات إلغاء الزيارة أو تأجيلها أو عدم التجاوب مع الطلب الفرنسي في الآجال التي تريدها فرنسا الحريصة على أن تتم هذه الزيارة قبل زيارة تبون المبرمجة لفرنسا في ماي. ولذلك فما ينشر لا يعدو أن يكون تهيئة للأجواء لتقبل رفض الزيارة بتبريرات تبرز أنها عادية وليست مملاة من طرف المغرب. لا ترضى فرنسا الماكرونية بكبريائها المصطنع أن تتلقى جوابا صريحا وصارما بهذا الشكل لأنها لم تتخلص من عقدتها الكولونيالية.
    هذه مناسبة للمقارنة بين انبطاح نظام الكابرانات في الجزائر للدولة العميقة في فرنسا واستقلالية القرار المغربي. انتهكت فرنسا الأسبوع الماضي سيادة الجزائر وعرضتها لموقف محرج تجاه الشعب الجزائري. احتج نظام تبون وشنقريحة واستدعوا سفيرهم للتشاور وطلبوا أجوبة على استفسارات مشروعة. لم يتلقوا ردا حتى الآن وهو إذلال آخر. هل باستطاعة حكام الجزائر الانتقال إلى مرحلة أخرى لرد الاعتبار؟ لماذا لم يلغ تبون زيارته لفرنسا؟ لماذا لم يشرط الإبقاء عليها باعتذار رسمي أو توضيحات مقنعة كأضعف الإيمان؟ الجواب بسيط. إنه لا يستطيع. تبون يضمن استمراريته بالإسناد الفرنسي لحكمه ولا يضمن ولاء شعبه. في أزمة أكتوبر 2021، استدعت الجزائر سفيرها للتشاور بعد نفي ماكرون صفة الأمة عن الجزائر وعززت موقفها بإغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات العسكرية دون نتيجة لأن حكام الجزائر تناسوا تلك التصريحات مباشرة بعد الترحيب بهم مما يؤكد أن ليس لهؤلاء أوراق ضغط على فرنسا تجعلهم يشترطون الندية والتكافؤ في العلاقات الثنائية. ظن شنقريحة أن ورقة الغاز مصدر قوة له ضد فرنسا ولو ظرفيا ولكنه تلقى صفعة قوية بعد طعنة فرنسا له.
    سير التحقيقات حول فضائح البرلمان الأوربي مرعب للأوربيين لأنه كشف حقائق صادمة. أزيد من 350 برلمانيا استفادوا من زياراتهم لدول أخرى من حسابات الجهات المضيفة مما يبين أن هذا السلوك ليس معزولا أو استثناء وسط هذا البرلمان وأن الخلل يطال ميكانيزمات اشتغال هذه المؤسسة ويلقي بظلاله على الديمقراطية كما يتصورها هذا البرلمان. الجهات المضيفة تتوزع على القارات كلها تقريبا بدءا بأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وافريقيا. لماذا التركيز إذن على قطر والمغرب؟
    أعداد النواب المتورطين في الفضائح حسب التحقيقات في تزايد. صارت الحكاية أقرب إلى عش الدبابير. يبحث البرلمان اليوم عن شماعة يلصق فيها مآسيه وينسي بها الرأي العام الأوربي فضائحه وهو مقبل على سنة انتخابية يتخوف فيها من تزايد العزوف والتصويت العقابي للتيارات المتورطة. لن ينجح البرلمان الأوربي في تحميل المغرب تبعات فساده، ولن تنجح فرنسا في مساعيها لإضعاف المغرب بتوظيف البرلمان الأوربي ضده ولعب ورقة حقوق الإنسان التي تتجاهلها في قضاياها الداخلية، ولن يؤثر هذا الكدر على صفاء العلاقات الثنائية بين المغرب ودول الاتحاد الأوربي وباقي مؤسسات الاتحاد.
    قرارات البرلمان الأوربي مجرد توصيات غير ملزمة وتفقد حتى طابعها الأخلاقي إن لم تحترم المعنيين بها وتلتزم بالمساطر اللازمة لإصدارها، وأول ذلك التشاور معهم بمنطق شفاف وتشاركي ومتكافئ. يقدم المغرب المثال في احترام التزاماته ومقتضيات شراكاته، ويتمسك بمبدأ العلاقات الثنائية مع دول الاتحاد وفق قاعدة التعامل بالمثل. وهي قاعدة تثبت نجاحها مع كثير من الدول الأوربية والخاسر الأكبر هو فرنسا بينما المغرب يوسع شراكاته مع إسبانيا وأمريكا وإسرائيل وغيرها من القوى المؤثرة التي تحترم المغرب وتستشعر الحاجة للشراكة معه.
    يحتار الإنسان وهو يطالع اللغة الاستعمارية التي تطبع بيانات منظمة تدعي أنها حقوقية محايدة. أمنستي صارت أكبر من حزب سياسي أو مجموعة ضغط أو أداة في خدمة معادية للمغرب. أمنستي أصبحت تتحرك بمنطق استعماري تأمر بتنفيذ ما تراه هي الأصوب دون احترام لمؤسسات المغرب وقوانينه. أمنستي التي لم تجب منذ سنتين عن أسئلة المغرب بخصوص الأدلة التي استندت عليها لاتهامه بامتلاك بيغاسوس واستعماله ضد مغاربة، هي التي تطلب من المغرب اليوم إسقاط التهم الزائفة عن زيان. بأي معيار تعتبر التهم زائفة؟ بناء على أي قانون؟ هل اطلعت على الملف جيدا؟ لماذا لم تتطرق للأدلة الموجودة في الملف؟ لماذا تتجاهل الاستماع لضحايا زيان؟ ألا يعتبر هذا عبثا؟ لا جواب عند أمنستي عن هذه الأسئلة ولا استعداد عندها للإجابة عنها لأنها ستكشف حقيقتها.
    والأغرب أن تنبري أمنستي للدفاع عن سمبريرو بمنطق غاية في العجب. تطالب أمنستي المغرب بالتوقف عن مضايقة سمبريرو وإيقاف تحرشاته القضائية به!!! هل يمكن أن نطالب من يلجأ للقضاء لطلب الانتصاف بالمتحرش؟ هل المغرب الذي فضل مقاضاة سمبريرو في بلده اسبانيا يعتبر متحرشا؟ وبماذا يمكن وصف اتهامات سمبريرو للمغرب بدون دليل بالتنصت على هاتفه بواسطة بيغاسوس الذي ينفي المغرب امتلاكه له وتؤكد الشركة المالكة له عدم تعاملها مع المغرب؟ ما هي الجهة التي يمكن المغرب اللجوء إليها للانتصاف؟ كيف يطلب من المغرب تقديم دليل براءته ولا يطلب من سمبريرو تقديم دليل على اتهامه للمغرب؟ هل أصبح القانون عند أمنستي يفهم بالمقلوب؟
    تلجأ أمنستي إلى التغليط المتعمد حين تقول بأنه “لم يكن ينبغي أن يواجه سمبريرو هذه المحاكمة السخيفة التي يطلب فيها ألا يتمكن الضحية المحتملة لجريمة مثل التجسس من التحدث عنها”. والحقيقة أن المطلوب من سمبريرو هو الحديث عن أدلة اتهامه للمغرب تحديدا ولو تحدث عن تعرضه للتنصت دون اتهام للمغرب لما صادر أحد حقه في الكلام. والحقد تملك أمنستي لتخرج من جبتها الحقوقية فتصف الاحتكام إلى القضاء مضايقة واضطهادا وتحرشا بينما هو سلوك حضاري كان يجب تثمينه وشكر المغرب الذي فضل الاحتكام إلى قضاء بلد سمبريرو اللهم إلا إذا كان هذا الأخير يشكك في استقلالية قضاء بلاده أو يعرف أنه مدعي فقط ولا يملك أدلة على ادعاءاته.
    في عرف أمنستي يعتبر المغرب مدانا حتى يثبت براءته وهذا مناف للطبيعة الحقوقية التي تدعيها، وتحركها لنجدة سمبريرو كان متوقعا حتى لا تحرق ورقة يمكن توظيفها مستقبلا في الحرب القذرة على المغرب، وركوبها على مناسبة عيد ميلاد زيان كان منتظرا لأنها تعودت اللعب على العواطف واستغلال الفرص دون أخذ بعين الاعتبار القانون ومعايير المحاكمة العادلة. هذا كاف لوضعها في خانة المنظمات المعادية للمغرب والتي لا تريد الاعتراف بذلك وتفضل الاختفاء وراء اللبوس الحقوقي ظنا أنه يحميها ويمنحها مصداقية.
    زالت الأقنعة عن أمنستي وما شابهها. وسمبريرو الذي يستنجد بها وبالطوابرية والبرلمان الأوربي يفضح خوفه لأنه يستبق الحكم الذي يعرف أنه سيكون نهايته وهو الذي ألف العطاء بناء على ما يروجه من تهم زائفة ضد المغرب خدمة لأسياده واصطيادا في الماء العكر وانتقاما ممن يتصور أنهم كانوا سببا في انتكاسته. لم يعد سمبريرو يخيف سوى أتباعه من الطوابرية الذين نصبوه نقيبا لهم ومصدر الأخبار حول المغرب التي يتبين أنها مجرد هرطقات تجود بها مجالس النميمة أو تسريبات الجهات المغرضة ضد المغرب.
    تحاول هذه الجهات جميعا إلهاء المغرب والتشويش على مسيرته ولجم توسعه والتأثير على شركائه. لن تنجح كل هذه المساعي لأن حماة الجدار أدرى بتفاصيل هذا المخطط ويستوعبون خلفياته ويدركون الخيوط والجهات التي تحركه. لذلك فالمغرب من نصر إلى نصر وهم في اندحار مستمر وأكبر ضحاياهم هم وكالة الخدمة بالمناولة الذين يخضعون لهم رغبا ورهبا. لن أزيد على ذلك. والفاهم يفهم. ونلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    جو حار نسبيا و تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق كل من الهضاب العليا الشرقية