بوح الأحد: كيف فضحت فاجعة الراحل ريان البعض و عرت آخرين

بوح الأحد: كيف فضحت فاجعة الراحل ريان البعض و عرت آخرين

A- A+
  • بوح الأحد: كيف فضحت فاجعة الراحل ريان البعض و عرت آخرين، هل تحكم المحكمة بإيداع زيان في مستشفى الرازي للأمراض العقلية و إلى أين تقود الأزمة النفسية المعطي النورس “طير بقر”، و أيت بناصر يرافع ضد الريسوني، شكرا شعب الجزائر، و حزب الله يعري آخر أوراقه و أشياء أخرى.

    أبو وائل الريفي

  • ينبغي للإنسان أن يشكر الله على نعمه الكثيرة، وضمنها تلك الشدائد التي تكشف أجمل وأسوأ ما فيه. وينبغي كذلك للمغرب أن يشكر الله الذي جعل من محنة الطفل ريان رحمه الله محنة اكتشف فيها المغاربة المعدن الحقيقي لكثير ممن يعيشون معنا ووسطنا وقلوبهم علينا وعقولهم ضدنا مدعين أنهم جزء من نسيجنا المجتمعي ولكنهم في الحقيقة أغراب عنا ولا يحزنون لحزننا ولا يتقاسمون معنا أفراحنا وأتراحنا. هم فقط متفرجون ينتشون بمآسينا ويتاجرون بها ويستغلونها للتكالب على الدولة خدمة لأنفسهم المريضة ولمن يدفعون لهم أكثر. ففي الوقت الذي اتجهت فيه أنظار العالم إلى شفشاون لتتابع عملية إنقاذ ريان بحس إنساني تضامني يعترف بالمجهودات التي تبذلها كل الجهات المتدخلة لاحظنا أصواتا شاردة كالعادة تغرد خارج السرب ولا ترى في الحدث كله سوى فرصة للتهويل والتبخيس. لم ينتبه هؤلاء أن هذه الفاجعة وحدت المغاربة وراء دولتهم كما وحدت كل الديانات والدول والشعوب لأن الضمير الإنساني واحد يتحرك في اللحظات الحرجة بفطرته قبل كل شيء. أول هؤلاء المغردين مع “طير بقر” هو الماتي منجيب خليل عيشة قنديشة. كعادته، لم يكتف بما يقتضيه واجب الوقت وتفرضه المناسبة من دعاء وأمنيات لتتكلل الجهود بالنجاح ولكنه استغل تلك الأيام لإخراج أسوأ وأخبث ما فيه. أكد حادث الطفل ريان أن الماتي صار كتلة حقد وكراهية ضد بلده يجيز لنفسه كل شيء لتصفية حسابه مع دولة لم تقم ضده بأي إجراء خارج القانون بل متعته بسراح مؤقت في متابعات جنائية تكتسي من الخطورة الكثير. فجأة، صار الماتي يتجول على شاطئ تمارة حيث يقطن بالهرهورة ويراقب سربا كبيرا من طيور النورس ويفهم مشاعرها ويحدد فرحها وغضبها ويفك ألغاز لغتها ويخلص إلى أنها قلقة ويحزن لنورس منها كبير وقوي يحاول الفكاك من سعف النخلة الحديدية ويتصل مع غيره ممن تابعوا المشهد برجال الإطفاء لإنقاذه وتفشل المحاولة بسبب عدم توفر طاقم الإنقاذ على الوسائل اللوجستيكية اللازمة. إلى هنا يبدو المشهد عاديا ويمكن شكره على هذا الحس الإنساني الرهيف الذي لم نره في قضايا تهم ضحايا ومشتكيات بأصدقاء له ارتكبوا في حقهم وحقهن جرائم إنسانية تثبتها أدلة دامغة، ولكن ما لا يبرر هو استغلال الماتي، الإنساني جدا مع طير بقر وغير الإنساني مع قضايا تهم بني آدم، لقضية الطفل ريان وإسقاطها على مثل هذه الحالات متجاهلا كل المجهودات التي بذلتها المؤسسات المعنية ومغمضا عينيه عن تلك الجهود التي كانت تتناقلها كبريات القنوات العالمية مباشرة ولحظة بلحظة. هل يقبل ممن ينظر بعينيه ويدعي الموضوعية أن يضرب بعرض الحائط كل تلك الجهود؟ وهل يعذر مثل الماتي أن لا يطلع على الصعوبات والإكراهات التي رافقت عملية الإنقاذ قبل إصدار الأحكام؟ وهل يبرر الحقد وتصفية الحساب “مسيح السما بالليكا” وكأن مؤسسات الدولة لم تتحرك وكانت أقل إنسانية منه؟ للأسف، استغل الماتي منجيب قنديشة لحظة إنسانية وحول حسابه الفايسبوكي إلى منصة صواريخ “من الفرشي والميش البارد” ليقنع العالم، حسب ظنه، بأن الدولة المغربية “ما تسوا ما تصلح” وأن آخر همها هم المغاربة وحياتهم. ولإضفاء مصداقية على خياله المريض ونظره الأعور بذل جهدا كبيرا لشرعنة سلوكه بأن النقد ضرورة وعلى الدولة الاستماع له لأن “انتقاد السلطة صحي لها وللبلاد التي تحكمها سواء كان النظام ديمقراطيا أو سلطويا، وأن غياب انتقاد وسائل الإعلام، معناه أن هناك شيئا على غير ما يرام، فالنقد دليل صحة وعافية في الجسد الاجتماعي”. هل نسي الماتي أن الحديث هنا عن الصحافة؟ وهل نسي أنه ليس صحافيا؟ أم تراه يحن إلى صفة الصحافي الاستقصائي التي ينتحلها في الجمعية التي كان يسترزق منها؟ أم أنه اشتاق لأموال الدعم والتمويل الدولي التي كانت مصدر إثراء له بعد تحويلها إلى ممتلكات شخصية وعائلية؟ أم أنه ما يزال يتصور أن الصحافي إنسان فوق القانون؟ إن هذا الحرص من منجيب على صفة الصحافي وما تتيحه من حريات مؤشر على أنه لم يتعود بعد أن يعيش خارج هذا الريع، وأنه لم يفطم بعد، وأنه ينتظر فقط نهاية محاكمته ليعود لعادته القديمة في البحث عن تمويلات أجنبية تحت غطاء دعم الصحافة. على الماتي أن يكون واضحا مع نفسه: هل هو مؤرخ؟ أم سياسي؟ أم صحافي؟ أم أستاذ جامعي؟ أم مناضل حقوقي؟ أم أنه صاحب “سبع صنايع والرزق ضايع”؟ ولو أن رزقه لم يضع لأنه كان أذكى وحوله إلى ملكية عائلته وإلى حساباته في الخارج ولم ينتفع منه وهو الذي يريد دائما الظهور بمظهر “اللي ما عندوش” ويصر على الإفطار، خوفا من العين، بكأس شاي ومسمنة في طبسيل ديال الميكا. وعلى الماتي الذهاب إلى طبيب نفسي ليفك عقده التي حولته إلى هذه العدوانية التي لا ترى في بلاده سوى ما يكره، وعليه أن يفهم بأن ما يعيشه هو بما جنت يداه ولا يتحمل مسؤوليته إلا هو بسبب تصرفاته غير القانونية.
    مشكلة المغرب الحقيقية هي أنه ٱبتلي بحفنة من الحماق بالمعنى الحقيقي للكلمة و المعطي النورس أو “طير بقر” ليس وحده الذي يعاني أزمة نفسية عميقة، هناك كائن آخر أكثر حمقا و أزمته ليست فقط نفسية بل عقلية تتطلب إدخاله إلى مستشفى للأمراض العقلية لتلقي العلاج لأن حالته وصلت إلى درجة من السوء تجعل كل الإنزلاقات من جانبه ممكنة، و الغريب أنه نقيب محامين و وزير سابق فلا نستغرب غدا إذا وجدناه يتخلص من ثيابه أمام الملأ و لا يكتفي فقط بأخذ صور لنفسه عاريا و إرسالها إلى موكلاته.
    من تابع أجوبته التائهة على أسئلة محددة أمام المحكمة الإبتدائية في الرباط يخرج بقناعة أن الرجل فقد عقله و أن من واجب المحكمة عوض أن تحاكمه أن تحيله على الخبرة في أفق الحكم بإيداعه في مستشفى الرازي للأمراض العقلية قبل أن تستفحل حالته و يشكل خطرا على أقرب أقربائه و يقوده سلوكه العدواني إلى الإعتداء على محيطه و تهديد السلامة الجسدية لأقرب مقربيه قبل الذين يكن لهم حقدا دفينا فقط لأنهم نجحوا في تأمين وخدمة المغرب.
    الحمد لله أن فاجعة الطفل ريان فضحت كذلك البعض وعرت حقيقة آخرين وكشفت معدن أمثال النصاب زكريا وتاجرة الخردة دنيا وكل المرتزقين الذين لا هم لهم إلا المزايدة والتشفي وإشعال الجمر. هؤلاء جميعا عزلوا أنفسهم عن المغاربة وقدموا الدليل القاطع أنهم لا تهمهم مصلحة المغرب والمغاربة بقدر ما يهمهم التشفي وأنهم جميعا يغردون مع سرب “طير بقر” الذي استهوى كبيرَهم الماتي فأوحى إليه بطريقة فاشلة ومكشوفة هرطقات استعجل تدوينها وترجمتها برداءة لتبخيس مجهودات المغاربة طيلة أيام خمسة عشناها جميعا على أعصابنا متضرعين إلى الله لينجي الطفل ريان بينما هم كانوا منشغلين بطريقة استغلال الحدث لتصريف حساب مع دولة لم تقم ضدهم إلا بتفعيل القانون وهم الذين يطنون أنفسهم فوقه ويتصورون أنفسهم مواطنين من درجة ممتازة تُحِلُّ لهم خرق القانون والاستفادة من الريع وتحويل أموال عمومية لمصالحهم الشخصية. قد نتفهم حديث بعض الناس بعواطفهم أحيانا، وهي عادة عامة في كل المجالات والمناسبات حيث يتحول الكل إلى خبراء في كل شيء، سواء في الرياضة والسياسة ونوعية التربة والحفر وطرق الإنقاذ والطب وعلم الفيروسات وحتى الغيبيات ولا يستشعر القائل مسؤولية كلامه لأنه في غير منصب المسؤولية، ولكن هذا المنطق غير مقبول من يصنف نفسه مثقفا وجامعيا وإعلاميا وحقوقيا لأن اعتماد هذا المنطق يضعه في خانة التجييش والتلاعب بالرأي العام واستغلال مآسي الناس لنفت سمومه وبث أحقاده وتحقيق أطماعه.
    لو كانت قلوب هؤلاء وعواطفهم مع ريان رحمه الله لسلكوا المسالك الطبيعية، ولو كان النقد الموضوعي هدفهم لقدموا أدلة علمية على ما يدعمون به ادعاءاتهم عوض إطلاق التهم يمنة ويسرة، ولو كانوا على دراية بما يتحدثون حوله لقدموا جوانب التقصير في المجهودات التي قامت بها المؤسسات التي تدخلت طيلة خمسة أيام واصلت فيها الليل بالنهار لإنقاذ ريان وإدخال الفرح على قلوب ملايير المتابعين، ولكنهم يهرفون بما لا يعرفون. وستبقى تدويناتهم وتصريحاتهم سبة في حقهم تفضح حقيقتهم.
    والحمد لله أن هذه الفاجعة عزلت حكام الجزائر عن الشعب الجزائري الذي بين أنه شعب لا يتقاسم مع حكامه قراراتهم الانفرادية ضد المغرب بإغلاق الحدود وقطع العلاقات. هل بإمكان تبون وشنقريحة اليوم قطع مشاعر الجزائريين كذلك تجاه المغرب والمغاربة؟ قطعا، لو كانوا يستطيعون ذلك لما ترددوا في قطعها. تكفي هذه الواقعة وسيلة إيضاح ليفهموا أنهم ضد المنطق والتاريخ والمستقبل والشعب. فهل سيستفيدون من ذلك أم تأخذهم العزة بالإثم ويصروا ويستكبروا ويعاندوا؟
    كان يمكن انتظار المفاجأة لو كان هناك ذرة من حرص لدى جنرالات الجزائر على مصلحة البلاد والعباد، أو ذرة من حرص على مصالح المنطقة وشعوبها، أو ذرة من حرص على لم الشتات لتقوية المنطقة المغاربية وهم يرونها تضعف يوما بعد يوم. ماذا ينتظر تبون وهو يرى الباب المسدود الذي تقف أمامه ليبيا؟ وماذا ينتظر شنقريحة وهو يشاهد النفق المظلم الذي تدخله تونس؟ وماذا ينتظران معا وهما يتابعان تدهور الوضع في مالي وجنوب الصحراء؟
    سلسلة الهزائم المتتالية التي تتلقاها الجزائر ودبلوماسيتها، قاريا وإقليميا ودوليا، لم تترك لها فرصة لالتقاط أنفاسها، ويزيد من وقع هذه الهزائم أن تبون وفريقه ومعهم شنقريحة المتحكم في الكل يحسبون كل انتصار مغربي هزيمة لهم رغم أن المغرب منشغل بقضاياه ومصالحه دون التعرض لمصالح الجزائريين. نقطة قوة المغرب في خلافه مع الجزائر أنه يعي متطلبات الجوار ويستحضر التاريخ والجغرافيا وينظر بعين المستقبل ويستبعد كل الأحقاد والحسابات الضيقة، وهو ما لم يتخلص منه للأسف حكام الجزائر الذين ما زالوا رهائن ستينيات القرن الماضي وسياسات الراحل بومدين.
    لقد تأكد كل المغاربة الأسبوع الماضي على هامش الدورة 35 للاتحاد الإفريقي من حكمة القرار الملكي بالعودة لهذا الحضن القاري. صار الوجود المغربي محرجا لأنصار البوليساريو وصارت أطروحة المغرب أكثر حضورا وقوة وهو الحريص على تفعيل تقرير المصير بمبادرة واقعية وعملية وجادة ومنصفة واستحسنها المنتظم الدولي كله. ها نحن نعيش ثمار هذا القرار قاريا بعد أن عشناه أمميا إثر قرار مجلس الأمن الأخير الذي أصاب النظام الجزائري بالسعار فجعله يخرج عن طوعه ليصبح في مواجهة مباشرة مع المغرب وأصاب البوليساريو بالهلوسة فجعل قيادته تهدد بالعودة للحرب وحمل السلاح.
    تميز هذا الأسبوع بمفاجأة كان بطلها أحد أعضاء هيأة دفاع سليمان الريسوني، وهو للتذكير محام يدعي أنه “تقدمي جدا” و”حداثي جدا” و” حقوقي جدا” ومناصر للأقليات. إنه المحامي ايت بناصر. وكما يقول المثل تبع الكذاب حتى لباب الدار، فإن هذا المحامي نطق بالحقيقة واعترف بشكل ضمني بالمنسوب لموكله ولو بدون قصد حين قال بأنه “إذا كان الشاب آدم مثليا، فإنه كان سيحب أن يتعرض للتحرش الجنسي أو حتى الاغتصاب من قبل الريسوني”. أليس في هذا إقرار بفعلة الريسوني تجاه ضحيته؟ لكن المثير في هذا الكلام الذي تحدث به محامي أمام هيأة قضائية، وهو ما يعطيه مصداقية وجدية، هو أنه كشف الوجه العنصري لرجل ينتمي لجسم العدالة ويصطف مع الصف الحداثي والتقدمي ولكنه يقر ضمنيا ويشجع بشكل غير مباشر هذا الاعتداء وكأن مثليته تبيح ذلك. ما رأي رفاق ايت بناصر في ذلك؟ ولماذا لم نسمع لمناضلي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان صوتا مستنكرا لهذا الخطاب العنصري؟ أين هي ماما خديجة والماتي وأمين وغيرهم؟
    لقد أصاب هذا التصريح كل المحكمة بالذهول، وخاصة سليمان وزوجته اللذان كان وقع الصدمة عليهما كبيرا ووضعهما في خانة الاتهام ممن يفترض فيه أن يدافع عنهما ويدفع عنهما هذه التهمة فإذا به “يغرق لهما الشقف”. لقد قلت في أكثر من بوح سابق أن السبيل الوحيد أمام سليمان لإثبات براءته هو القانون والمحكمة، وعليه أن يتسلح بمحامين في المستوى يبحثون عن أيسر الطرق أمام سليمان بدون مزايدة وإنكار.
    ها هي المحاكمة على أبواب النهاية، وها نحن نكتشف أن سليمان وفريقه وعائلته خسروا كل تكتيكاتهم واستراتيجياتهم وأضاعوا وقتا كان أنفع لهم أن ينفقوه في البحث عن براءة سليمان أو تسوية مع الضحية بالاعتذار له لعل ذلك يرجع له بعضا من كرامته التي داسها سليمان وزوجته بعد ذلك بالتنقيص منه والتشهير به. لم تنجح استراتيجية التهجم على الضحية/المشتكي وإنكار وجوده وادعاء أن حسابه الفايسبوكي مجرد حساب وهمي حيث اتضح بعد مدة قصيرة أنه شخص حقيقي، ولم تنفع سياسة الصمت لأن صمت سليمان لن يحول دون أخذ القضية مجراها أمام القضاء، ولم ينجح أسلوب الهروب إلى الأمام وتأزيم الوضع باللجوء إلى الإضراب عن الطعام لأن متخذه هو وحده يتحمل عواقبه وتبعاته طالما أنه لا توجد أسباب معقولة تبرر الإضراب عن الطعام، ولم تنجح سياسة التنطع والاستقواء ببيانات التضامن وتقارير مخدومة لمنظمات لم تعد لها مصداقية حيث اكتشفوا جميعا أن مفعول تلك البيانات والتقارير لا يتجاوز أصحابها الذين يتداولونها كما تتداول المنشورات السرية، ولم تنجح سياسة الاستفزاز والاستعداء التي قادوها ضد الهيأة القضائية التي لم تقم إلا بدورها كنيابة عامة تمثل المجتمع وتحرص على حماية المجتمع من أشخاص تقودهم غرائزهم وتتحكم فيهم شهواتهم ويظنون أنفسهم فوق القانون.
    للأسف، يعيد التاريخ نفسه مع هؤلاء الطوابرية الذين يعيدون تكرار نفس الأخطاء ويبينون محدودية تفكيرهم وقصور رؤيتهم. هو نفس السيناريو الذي سبق مع بوعشرين يتكرر، وهو نفسه يعاد مع عمر راضي وزيان. هل هو غباء أم قصور أم خذلان أم هي القدرة الإلهية التي تنتصر للحق وتأبى الظلم؟
    بعد كل هذه المرافعات، سنكتشف في الأخير أن الدفاع قد ينسحب منددا بغياب ضمانات المحاكمة العادلة وعدم إتاحة الفرصة له والتصريحات بعدم استقلالية القضاء وغير ذلك من الكلاسيكيات التي صارت محفوظة عن ظهر قلب. والحقيقة أن العيب في الدفاع الذي سيس قضية عادية ورافع في كل شيء إلا في جوهر القضية وصلبها.
    يكفي كل أنصار سليمان أن تدوينة واحدة من الضحية زعزعت كيانهم وأسقطت كل دفوعاتهم، حيث فضح تهربهم من مناقشة الأدلة على وجود محادثات بينه وبين سليمان على الماسنجر كما فرغتها الشرطة القضائية بحرصهم على مناقشة عبارات “حبيبي وعزيزي”، ولسد الباب على سياسة النفي المطلق التي نهجها سليمان ضد كل ما يثبت تورطه، ذكر الضحية بانتداب الوكيل العام شركة الاتصال المتخصصة من أجل الاطلاع على كشف اتصالاته مع سليمان يوم الواقعة، حيث تم التأكد من وجود أربع اتصالات هاتفية بينهما، صادرة من هاتف الريسوني وواردة بهاتفه صباح اليوم نفسه، وعزز الضحية أدلته بما قام به قاضي التحقيق حين انتدب الشرطة القضائية من أجل إجراء خبرة على اللواقط لشركة إينوي واتصالات المغرب، بغرض رصد التموقع الجغرافي لهاتفه الخاص وهاتفي سليمان وزوجته خلود، حيث تبين من خلال نتيجة الخبرة أن هاتف سليمان كان قريبا من هاتف الضحية يوم الواقعة وفي نفس التوقيت. ولتعزيز أدلته أكثر، ذكر الضحية آدم بالخبرة الصوتية التي أمر بها قاضي التحقيق وأنجزها المعهد الملكي للصوتيات من أجل التعرف على صوتيهما معا ومقارنتهما بمضمون التسجيل الصوتي الذي يوجد في الملف ضمن الدلائل، ليؤكد بأنه كضحية خضع لهذه الخبرة بينما سليمان رفضها. لماذا هذا الرفض من طرف سليمان؟ ولماذا هذا التهرب من طرف هيأة دفاعه؟ ولماذا هذا التجاهل من طرف أباطرة العشيرة الحقوقية كما سماهم الضحية؟ ولماذا يصرون على ترويج الأكاذيب خارج المحكمة؟ هل مع كل تلك الأدلة يصح القول بأن الملف فارغ من أية حجة أو دليل؟ أو أن المشتكي لم يقدم حججا وبراهين تثبت تورط سليمان في التهمة المنسوبة إليه؟ ألا تجعل كل تلك الأدلة الحقوقيين يقفون على الحياد ويستمعون بمهنية للضحية؟ ألا تشعر خلود زوجة سليمان بعذاب الضمير وهي التي قادت حملة ممنهجة ظالمة ضد الضحية آدم استباحت فيها تسريب معلومات خاصة تندرج في نطاق الحياة الخاصة؟
    يمكن لكل هؤلاء قول ما شاؤوا فإنهم لن يكونوا فوق القانون، والحمد لله أن هناك قضاء مستقل بالبلاد ينتصر للحق ويتعامل مع الكل بمساواة. وهذه أهم ضمانة لآدم وأمثاله الذي ظل ملازما ومناصرا للطوابرية ومناضلا في صفهم ضد المخزن ولكن في الشدة اكتشف الحقيقة المرة. كل أولئك المناضلين والمنظمات التقدمية تخاذلت في مؤازرته وكانت في صف ظالمه ضدا على المبادئ التي تدعي الدفاع عنها، حتى صار المحامي أيت بناصر يستحل التحرش به وحتى اغتصابه مادام يعترف بمثليته علنا. سلام على الحداثة والتقدمية إن كان أمثال هؤلاء هم حملة لوائها.
    نختم بوح هذا الأسبوع بكلام فاضح لزعيم طائفي تواق إلى الدماء والحروب يدعي الانتماء إلى الأمة العربية ولكن هواه فارسي حتى النخاع. هذه هي الخلاصة التي يستخلصها من شاهد حوار حسن نصر الله مع القناة الإيرانية العالم وسط هذا الأسبوع بمناسبة ذكرى الثورة الإيرانية الخمينية ليتضح أن الملطخة يداه بدماء الأبرياء في سوريا اختار منصة إيرانية وذكرى إيرانية ليهدد الإمارات والسعودية والبحرين ودولا عربية بالويل والتبور ومباركا الهجمات الإرهابية التي يتعرضون لها من الحوثيين.
    ها هي الأيام تكشف “الحُمَّاق” الذين يحيطون بنا من كل جانب، وتفضح حقيقة من يصطفون إلى جانبهم ويصمتون عن حماقاتهم ويفضلون الحياد السلبي تجاه التهديدات التي يشكلونها على الأمن العربي والسلم العربي ويدافعون عن سياساتهم. أما المغرب فظل دائما “يعتبر أمن واستقرار دول الخليج العربي، من أمن المغرب. ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم”. كما صرح بذلك الملك في خطابه سنة 2016 في القمة الخليجية.
    حين نرى مثل نصر الله وأجندته الإيرانية الفارسية التخريبية نحمد الله على اليقظة المغربية المبكرة التي وضعت حدا لهذا التمدد الإيراني الطائفي. يتضح أن النضج لم يجد طريقا إلى هؤلاء الذين يفكرون بمنطق طائفي هيمني ويظنون أن دولا عربية مجاورة لقمة سائغة يمكنهم العبث بأمنها في أي لحظة وحين، كما يظنون أن أذرعهم في المنطقة تمنعهم من الرد بالمثل.
    للأسف، ينتعش هؤلاء في ظل الانقسام العربي وعدم تفعيل جدي للدفاع المشترك والذي نحن في حاجة إلى تطبيقه بشكل سليم وبدون انتقائية وتسرع في هذه اللحظات المفصلية.
    هل يمكن لنا أن نتساءل اليوم عن مآلات مشاركة المغرب في القمة الخليجية؟ وهل يمكن التذكير بخطاب الملك حينها الذي تحدث بأن دول الخليج مع المغرب تتقاسم نفس التحديات، ونفس التهديدات، خاصة في المجال الأمني. وحينها حذر الملك بحسه الاستباقي بأن هناك “تحالفات جديدة، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. وستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة، بل وعلى الوضع العالمي… إننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي. فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى تحليل. إنهم يريدون المس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية. وأقصد هنا دول الخليج العربي والمغرب والأردن، التي تشكل واحة أمن وسلام لمواطنيها، وعنصر استقرار في محيطها.”.
    يمكن لكل قارئ لهذا البوح الرجوع لهذا الخطاب الاستشرافي ومقارنة توقعاته مع ما يعيشه العرب والخليج تحديدا من تهديدات ليفهم كم نضيع من الزمن كان الأولى الاستفادة منه لرص الصف العربي وإعادة بناء هذا النظام العربي على أسس مغايرة وصلبة وصحيحة.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    شوكي: الإصلاح الضريبي الذي أقرته حكومة أخنوش مكن من تنزيل الإصلاحات الاجتماعية