بوح الأحد: دروس من وحي خطاب المسيرة لحكام الجزائر، هل يربح المغرب رهان العودة..

بوح الأحد: دروس من وحي خطاب المسيرة لحكام الجزائر، هل يربح المغرب رهان العودة..

A- A+
  • بوح الأحد: دروس من وحي خطاب المسيرة لحكام الجزائر، هل يربح المغرب رهان العودة إلى الحياة الطبيعية مع بداية سنة 2022 بإستكمال عملية التلقيح في ظل ٱنتكاسات الطوابرية و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    يبدو أن ساكن قصر المرادية وحوارييه ومحركيه مضطرون ل”التسمر أمام جهاز التلفاز” مرات ومرات ليتعلموا أصول الحكم وفنونه من كل خطاب للملك محمد السادس. وأكاد أجزم أنهم لن يستفيدوا كثيرا ولن يتعلموا كل ما ينبغي، ليس لأنهم أغبياء، ولكن لأنهم أساسا حاقدين رضعوا الكراهة للمغرب وملوك المغرب منذ فجر استقلال الجزائر حتى أصبح ذلك عندهم عقيدة راسخة.
    على حكام الجزائر أن يدققوا نظرهم ويوجهوا فكرهم وخيالهم إلى الشكل والمضمون في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، كما عليهم أن يتعلموا الطريقة المثلى لامتصاص الغضب المجاني و تنبيه الخصم دون استعمال القوة الذاتية لأن الذكي هو من يوفرها للأحداث والقضايا والأوراش التي تستحقها.
    وقد حدد المغرب منذ عقود خصمه الحقيقي الذي اختار تعبئة كل إمكانياته
    لمواجهته. إنه تحدي ربح رهان التنمية والديمقراطية لما يخدم المغرب والمغاربة أولا.
    أول درس على حكام الجزائر تعلمه هو فن التجاهل، أو ما نسميه بالدارجة “التنخال”. لا تعطي أهمية أكثر لمن لا يستحق. وقد برع الخطاب الملكي في جعل فريق قصر المرادية ينتظر مخرجات الخطاب فإذا به يتفاجأ بعدم ذكرهم نهائيا. هذا أبلغ جواب على كل التهديدات العسكرية لحكام الجزائر، كما أنها رسالة للمنتظم الدولي أن المغرب وشعبه وملكه منشغلون بما هو أهم. لذلك، على تبون مراجعة خطابه وبيانات قصر الرئاسة التي تغترف من قاموس الحرب بعد أن عجز قاموس الدبلوماسية والسياسة عن مجاراة إنجازات المغرب وانتصاراته ميدانيا ودبلوماسيا وسياسيا داخل كل المنتديات القارية والإقليمية والدولية، وآخرها القرار 2602 الذي كان انتكاسة حقيقية لحكام الجزائر وربيبتها جبهة البوليساريو.
    وثاني درس على المتحكمين في الجزائر تعلمه هو حسن انتقاء العبارات والكلمات بما يناسب خطاب من يمثل الدولة ويتحدث باسم الشعب بما لا يؤدي إلى الفجور في الخصام. تتيح لغة رجال الدولة التعبير عن المعنى بقوة ووضوح دون الفجور في الكلام ودون لغة التهديد ودون دق طبول الحرب التي يعرف تبون وشنقريحة أكثر من غيرهما أن قرارها ليس في يدهما وحدهما وأن الحرب ليست نزهة ربيعية وأن للمغرب قدرات دفاعية لن تقف مكتوفة الأيدي ضد كل انتهاك لسيادته. أكاد أجزم أن حكام الجزائر لن يتعلموا شيئا من هذا لأن نظاما طارئا جيء به لسد فراغ اضطراري ولعب دور كومبارس للتغطية على حكم عسكري لن يتعلم فنون الخطاب وقواعد التعامل مع الجيران. هنا يكمن الفرق الشاسع بين ملكية عريقة راكمت تقاليد وأعرافا في الحكم وسط حاضنة شعبية شاركتها الحلو والمر في زمن الرخاء والشدة وزمن الاستعمار والاستقلال وبين نظام عسكري لا يتصور استمراره بدون عدو خارجي لأنه يعي عزلته عن الشعب وعدم رضى الشعب الذي شب عن طوق الوصاية منذ خرج في حراك شعبي يطلبها صريحة “دولة مدنية” و”ديمقراطية كاملة”.
    وثالث درس مطروح على حكام الجزائر للتأمل في معانيه ومراميه هو درس الاعتزاز بالنفس والشعور بالاحتضان الشعبي والانتصار لقضايا الوطن. ليس عبثا أن يتضمن خطاب المسيرة الخضراء عبارات غاية في الوضوح والحسم حول قضية الوحدة الترابية. قضية الصحراء المغربية غير قابلة للتفاوض تحت أي ظرف، ودعوة الخطاب صريحة لكل المترددين في الاعتراف بمغربية الصحراء أن لا اتفاقات اقتصادية أو شراكات ممكنة لا تتضمن هذه المنطقة كذلك، وأن المغرب لا يخضع للابتزاز. هل يمكن لحكام الجزائر تعلم هذا الدرس؟ أشك حقيقة في ذلك، وقد استجابوا لأول طلب تلقوه من فرنسا للمشاركة في ندوة باريس حول ليبيا، وأقصى ما استطاعوه هو عدم حضور تبون للندوة كما أكد لعمامرة في ندوة صحفية والانكسارُ والهزيمة باديةٌ على محياه لأن المسكين فهم أن هذا عنوان فشل آخر يضاف لسجله الدبلوماسي الأسود.
    لست ضد مشاركة الجزائر في أي مبادرة حول ليبيا بحكم علاقات الجوار بينهما وبحكم عضويتهما في اتحاد المغرب العربي، ولست نهائيا ضد الاستجابة للدعوة الفرنسية، ولكن المنطق يقتضي، كما يقول المثل، أن يكون “الذراع قد الفم”. كيف ينسى تبون الإهانة التي تعرض لها الشعب الجزائري؟ كيف ينسى حكام الجزائر طمس تاريخ شعب وهوية أمة؟ كيف ينسى تبون تصريحاته الاشتراطية على فرنسا بالاعتذار لإعادة العلاقة بين البلدين؟ لم كل هذا الاستعجال وما زال الجزائريون حديثي عهد بهذه الإهانات؟
    هنا تبرز وطنية النظام وانحيازه لقضايا شعبه وثقته في عدالة قضاياه وفي احتضانه الشعبي الذي يؤهله للتصلب العادل دفاعا عن مصلحة البلاد وكرامة المواطنين. لقد تعامل تبون ولعمامرة مع الدعوة الفرنسية بمنطق الهمزة/الفرصة للخروج من العزلة التي قد تقصيهم من الملف الليبي الذي يريدان البقاء ضمن المؤثرين فيه لتسويق ثقل دبلوماسي وهمي للشعب الجزائري. وهنا تبرز قوة الملكية في المغرب واعتزازها بالمغرب والمغاربة، وكلنا يتذكر أكثر من سنة من القطيعة بين المغرب وفرنسا انتصارا لكرامة المغرب ومؤسساته التي أرادت جهات فرنسية التنقيص منها. وكلنا نتذكر النتيجة حينها. للأسف، لن يستفيد حكام الجزائر هذا الدرس من الخطاب الملكي للمسيرة الخضراء والسبب ليس هو نقص المعرفة ولكنه يكمن في انعدام القدرة. حتى تقف ضد من يستهدف وحدة البلاد وهويتها وتاريخها وحضارتها يجب أن تكون “مسخن جنابك” بالشعب. هذا ما تعيه الملكية في المغرب وتتصرف وفقه، وهو ما يعي حكام الجزائر أنهم يفتقدونه. الحقيقة الثابتة في عقل وضمير ووجدان حكام قصر المرادية أنهم حكام مفروضون على الشعب الجزائري وأن الهوة بين الطرفين شاسعة وأنهم لا يمثلون هذا الشعب الذي قاد حراكا شعبيا سلميا عجز حكام البلاد عن التجاوب مع مطالبه وعن إيقاف امتداداته فلجؤوا إلى سلاح القمع والتفريق لتطويق شرارته. وحين لم تنجح كل تلك الأساليب بذلوا كل الجهود لافتعال قضايا خارجية وصناعة أعداء وهميين لعلهما يقويان جبهته الداخلية المشتتة.
    ورابع درس على حكام الجزائر تعلمه من الخطاب الملكي الأخير هو الثقة في المنتظم الدولي ومخرجات مشاوراته. يتعامل المغرب مع الآليات الأممية باحترام ويتجاوب مع قرارات المنتظم الدولي بإيجابية، ولذلك كان أول مرحب بالقرار 2602، وحتى بعد حكم المحكمة الأوربية بشأن الاتفاقات التي يبرمها المغرب مع الاتحاد الأوربي وتشمل المناطق الصحراوية كان المغرب واضحا بأنه ليس متضررا من هذا القرار وليس طرفا في هذه الدعوى وبأن الأمر يعني الدول الأوربية المستفيدة من هذه الاتفاقيات. طريقة اعتراض الجزائر، ووصيفتها البوليساريو، على قرار مجلس الأمن والتلويح بالرجوع إلى الحرب وخرق اتفاق وقف إطلاق النار والشروع في تسليح الجبهة في منطقة عازلة تؤكد انتهازية حكام الجزائر وانتقائيتهم في التعاطي مع الأمم المتحدة. وبالمقابل، كان المغرب واضحا ومتجاوبا وحريصا على انسجام كل قراراته ومواقفه وتحركاته مع المقتضيات المؤطرة لقرارات مجلس الأمن. وقد بدا هذا واضحا في القرار الأممي الذي نوه بالخطوات المغربية في حقوق الإنسان، وأقر الوضع القائم في الكركرات معترفا بشكل ضمني أن ما قام به المغرب من تدخل لا يتعارض مع اتفاق وقف إطلاق النار، وأشاد بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي.
    لا يمكن للمغاربة إلا تثمين منجزات الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك ورعايته. هذه الرعاية مكنت المغرب من الحصول على اعتراف أمريكي بمغربية الصحراء وإقامة 24 قنصلية بالجهة الجنوبية وتمتيع المنطقة بانتخابات شاركت فيها نسبة عالية من الساكنة، تحت أنظار ملاحظين دوليين وإعلام دولي، مما منح للمنطقة مؤسسات تمثيلية حقيقية. ولذلك فلا مفاوضات حول مغربية الصحراء، ولكن مع ذلك هناك إمكانية لحل سياسي دائم يحافظ على كرامة الجميع، وهو الحكم الذاتي كما قدمه المغرب منذ 2007، والكل يراه اليوم الحل الأنسب لطي هذا النزاع الذي قارب نصف القرن. وللأسف، ما يزال حكام الجزائر ينفخون فيه لإطالة أمده.
    وخامس درس في الخطاب الملكي لن يصل تبون إلى استيعاب عمقه ولن يستطيع الاقتراب منه هو التمسك بالبناء المغاربي كما تتمناه الشعوب وليس كما يخطط له حكام منشغلون بمصالح دولهم فقط. كان الأولى بالنظام الجزائري، وريث الحرب الباردة، التجدر تجاه الشعوب أكثر، ولو من منطلق شعبوي فقط، ولكنه لا يستطيع خوض هذه المخاطرة وهو الأدرى بعزلته وبالرفض الشعبي في الجزائر لطابعه العسكري ولمؤسساته الصورية. اختار الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء، وقد كانت حدثا شعبيا لم تملك معه اسبانيا الفرنكوية العسكرية غير التسليم بالأمر الواقع، الانتصار للبناء المغاربي باعتباره خيارا استراتيجيا للمنطقة، ولكن بالتوجه إلى الشعوب أساسا لأنها كيان واحد وباعتبارها صاحبة السيادة والقرار في مثل هذه القضايا. ليبيا مقبلة على انتخابات حاسمة والكلمة الفصل فيها للشعب صاحب السيادة لاختيار طبيعة البلد والحكام الأصلح له، وقد وقف المغرب طيلة هذه السنوات إلى جانب الشعب الليبي دون انحياز إلى جهة على أخرى ووفر لمكونات الشعب الليبي كل الدعم لإنجاز حوارات أثمرت اتفاق الصخيرات الذي تحاول دبلوماسية لعمامرة إقباره دون جدوى. وتونس الغارقة في أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية ودستورية لم يعد أمامها حل غير الرجوع إلى الشعب مباشرة بعد عجز الدولة عن ربح رهان التنمية طيلة أزيد من عقد. وتونس اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات ويصعب السيطرة على شعب تزداد أوضاعه تدهورا على كل الأصعدة، وقد تفاقمت حتى على المستوى البيئي مؤخرا. وشعب الجزائر أسير نظام عسكري يستنزف مقدراته في قضايا غير ذات أهمية، ويستثمر أموال الدولة في تسابق عسكري وتسليح لجبهة البوليساريو لخوض حرب لا تهم الجزائريين. وهذا الشعب خرج سلميا لشهور وتم الركوب على مطالبه من طرف تبون في حملته الانتخابية ولكن سرعان ما تم التنكر لهذه المطالب واستعداء رموزه وإرجاع كل جنرالات وساسة العهد البائد إلى مربع الحكم.
    بعض إسلاميي العسكر المنتمين إلى المدرسة الإخوانية وصل بهم الأمر إلى حد اتهام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأردد دائما أنه فقط اتحاد علماء الإخوان، بالتحيز للمغرب والتشكيك في نية “علمائه” بسبب تزامن بيانهم مع خطاب الملك وإثارة قضية ترؤس هذا الاتحاد من طرف مغربي لأن الاتحاد أدان فقط قرارات الجزائر بشأن المغرب، وهذه حقيقة لا لبس فيها، ولكن كان بن قرينة وإخوانه يتمنون عكس ذلك. إلى هذا الحد وصل الارتهان إلى نظام العسكر، وإلى هذا الحد وصلت الأمور بإخوان الجزائر، وخاصة حركة البناء ورئيسها بن قرينة، الذين صاروا رهائن في يد العسكر. للأسف يثير إخوان الجزائر أسطوانة التطبيع مع إسرائيل وحرب المغرب ضد الجزائر لفائدة إسرائيل مع أنهم لا يتوفرون على دليل على ذلك، وهم أدرى أن حكامهم على استعداد لتقديم كل شيء للتطبيع مع إسرائيل ويمكنهم الرجوع إلى حوار لعمامرة مع روسيا اليوم ففيه اعتراف واضح من طرف الدبلوماسي الأول للجزائر بدولة إسرائيل، بل فيه حديث عن أن علاقات الدول العربية مع إسرائيل مسألة سيادية لتلك الدول لا تتدخل فيها الجزائر. هل إسلاميو الجزائر مع هذه التصريحات؟ لماذا يستثنون المغرب من هذه التصريحات ويصبون جام غضبهم عليه إذن؟
    لن يصل حكام الجزائر، إلا بعد زمن طويل، إلى فلسفة الدبلوماسية المغربية ليميزوا بين وجهي العملة الواحدة لأن السطحية والاختزال يحكمان تصرفات حكامهم. بعد مرور سنة على الاتفاق الثلاثي تبين أن للمغرب قوة وسيادة وقدرة على التمييز بين علاقات جيدة مع الفلسطينيين ومواقف داعمة للحق الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة على أرضه مع القدس الشرقية عاصمة لها وبين علاقات مع إسرائيل التي تضم يهود مغاربة الأصول تربطهم بالمغرب روابط لا يمكن طمسها والقفز عليها لأنهم جزء من نسيج مجتمعي مغربي متنوع أكده المغاربة يوم الاستفتاء على دستور 2011 حين نص في تصديره على الرافد العبري وعلى ضرورة صيانة تلاحم وتنوع مقومات الهوية الوطنية الموحدة بكل مكوناتها العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.. في هذه الفقرة من الدستور جواب شاف لمن لم يفهم بعد سبب إصرار المغرب على نسج علاقات جيدة متكافئة مع كل المحيط والجوار لأن المغرب يعتبر ذلك وفاء لتنوع مقومات هويته وروافده. وحتما لن تكون العلاقة مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين أو شيكا على بياض لإسرائيل. هذه أمور لن يفهمها من ألف العطاء من العسكر وتلطخت يده بدماء إخوانه في العشرية السوداء، ومنهم بن قرينة الذي كان وزيرا للسياحة في حكومة اسماعيل حمداني سنة 1997، أي في ذروة سنوات الجمر ضد إخوانه المنفيين في الصحراء والمختفين في سجونها السرية. ومنهم طبعا عبد الرزاق مقري الذي شغل منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني ورافق ذلك استفادة من ريع المنصب مع ما يتطلب من “ضرب الطم” عن انتهاكات العسكر ضد إخوانه في جبهة الإنقاذ. أولى لمن لم تأخذه الشفقة والإنسانية وهو يرى أبناء شعبه تنتهك حرماتهم أن يصمت ولا يزايد على غيره.
    كل ما سبق، يؤكد خلاصة واحدة، وهي أن الفرق شاسع بين بلدين متجاورين ونظامين ينهلان من مشروعيتين مختلفتين. الفرق بين المغرب والجزائر هو أن المغرب دولة قادرة والجزائر دولة عاجزة. والفرق بينهما أن نظام الملكية في المغرب جزء من نسيج مغربي وتعبير عن حالة شعبية بينما نظام العسكر في الجزائر منبوذ من الشعب بسبب طابعه الفاسد وطبيعته العسكرية وفشله التدبيري. والفرق أن المغرب يسلك مسلكا طبيعيا ومتدرجا نحو الديمقراطية والتنمية معا بمقاربة تشاركية بينما الجزائر منشغلة بالمغرب أكثر من انشغالها بقضاياها الداخلية. يوجه المغرب إمكانياته لخدمة المغاربة بينما توجه الجزائر عائدات ثرواتها للبوليساريو، التي صارت عبئا على الجزائريين، ولتمويل كتائب إلكترونية قصد إشعال الفتنة داخل المغرب باختراق صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والنفخ في الاحتجاجات ضد إجبارية جواز التلقيح.
    يظن حكام الجزائر أن السلطات المغربية تضيق درعا بالاحتجاجات كما هو شأنها تجاه الحراك الشعبي في الجزائر، ولكنها تتناسى أن السلطات المغربية تعتبر ذلك حقا طالما بقي في نطاق السلمية واحترام المشروعية ولم يحد عن مطالبه المعلنة.
    طال الزمان أم قصر، سيكتشف جزء من المغاربة الرافضين لجواز التلقيح أن هذا القرار ليس بدعة مغربية ولكنه اختيار عالمي يعمل به في كل الدول المتقدمة التي تسارع الخطى لتمنيع المجتمع والرجوع إلى الحياة الطبيعية والحفاظ على مكتسبات حملات التلقيح الناجحة. والحمد لله أن الاعتراف بنجاح المغرب في تدبير جائحة كورونا صحيا جاء من الخارج قبل الداخل ومن منظمات محايدة وخبيرة وذات الاختصاص، أما النجاح التدبيري الاقتصادي والاجتماعي فقد عايشه المغاربة من خلال معيشهم اليومي وهم يرون أن الجائحة لم تتسبب في نقص مواد غذائية أو مضاربات في الأثمان عكس ما عاشته الجزائر التي صارت معركتها المقدسة هي توفير البطاطا. لا نقول هذا الكلام تشفيا ولكن حسرة على بلد له كل الإمكانيات ولكن حكامه استخفوا بشعبهم وحولوا تلك الإمكانيات لما لا يخدم البلاد والعباد.
    نجاح المغرب لن يكتمل دون استكمال حملة التطعيم بوتيرة متسارعة ومرتفعة وعلى نطاق أوسع للعودة إلى الحياة الطبيعية مع بداية السنة الجديدة 2022 أو خلال الأشهر الثلاثة الأولى على أقصى تقدير. وسيكون حينها إنجاز سيعرف المغاربة قيمته وهم يعيشونه متناسين سنتين خيمتا على البلاد بآثارها النفسية وتداعياتها الاجتماعية.
    لا تخيف الاحتجاجات السلمية إلا نظاما خائفا لا مشروعية له. والاحتجاج والاعتراض جزء من الحياة الديمقراطية الطبيعية. ولذلك فالسلطات المغربية تسمح بالاحتجاجات والباب مفتوح أمام كل متضرر طالما احترم القانون ونطاق الاحتجاج زمنيا وموضوعاتيا ومكانيا. وعلى المحتجين الانتباه إلى الاختراقات من طرف أصحاب الأجندات الداخلية والخارجية التي لن تجد راحتها إلا بعد تحريف المطالب والشعارات ووجهة الاحتجاجات.
    لم يعش النظام في المغرب حالة احتضان شعبي ورضى مجتمعي كما كان خلال هذه الجائحة، حيث تأكد المغاربة من كفاءة الدولة وتحملها لمسؤولية البلد في الداخل والخارج، وقدرتها على تحقيق العزة والكرامة والاكتفاء للمغاربة. وصار المغاربة أكثر ثقة في قوتهم ولا يرضون بغير الندية والتكافؤ معيارا للعلاقة مع الأغيار مهما كان الفرق.
    وحدهم الطابور الخامس يسبح بعضهم ضد التيار، وهؤلاء يتصدى لهم الشعب بتجاهلهم مما يسبب لهم انتكاسة وهم يرون ضعف التجاوب مع كل مبادراتهم وخطواتهم، أو يقفون في المنزلة بين المنزلتين وهو ما يصنفهم ضمن الانتهازيين الذين لا استعداد لهم للتضحية من أجل المغرب ويرغبون فقط في الاستفادة من ريعه. على هؤلاء أن يفهموا أن زمن المواقف الزئبقية ولى إلى غير رجعة وأن اللحظة تقتضي الوضوح والاصطفاف مع مصلحة الوطن.
    لا يمكن إنهاء هذا البوح دون الوقوف احتراما وتقديرا لجهود كل صناع هذه العزة للمغرب والمغاربة. قوة حماة الجدار في تحصنهم بالشعب وتمسكهم بالحق وخوضهم المعارك العادلة دفاعا عن مصالح المغرب. هذه هي نقط قوة الملكية في المغرب التي تجعل من يواجهها في مواجهة مباشرة مع الشعب
    صناع الوطنية الحقة هم من يقدمون مصالح البلاد على أنفسهم. هؤلاء هم حماة الجدار الذي يحيط بهذه الأرض المباركة التي يتوارث المغاربة أبا عن جد حضارتها وعزتها وكرامتها.
    وإلى بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي