ماذا تريد إسبانيا؟

ماذا تريد إسبانيا؟

A- A+
  • الأزمة التي اندلعت بين المغرب وإسبانيا تبدو مرشحة لمزيد من التطور، وبرغم ارتدادات ما يقع بين الرباط ومدريد من حرب البيانات والتصريحات، فإن الملاحظ حتى اليوم أن المغرب يدير المعركة بحنكة دبلوماسية 
لا تخطئها العين، تصوَّر البعض أن مُجرد مثول زعيم الانفصاليين أمام المحكمة سيحل العقدة بين بوابتي قارتين وتعود المياه إلى مجاريها، لكن الرباط لم تكتف بنصف انتصار، حيث هاجم وزير الخارجية المغربي رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو شانسيز «متسائلا عما إذا كان رئيس الحكومة الإسبانية اطلع على مختلف البيانات المغربية ذات الصلة بهذه الأزمة، ولاسيما الموقف المعبر عنه اليوم»، حيث أكد وزير الخارجية المغربي أن «أصل الأزمة مع إسبانيا ليس ملف إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، بل انهيار الثقة بين البلدين والمواقف العدائية لمدريد بشأن ملف الصحراء».
    المغرب كان واضحا، إدخال إبراهيم غالي إلى إسبانيا بهوية مزورة، اكتفى فيه باستفسار حول الدواعي والأسباب خارج غطاء «الأسباب الإنسانية» كما صرحت وزيرة الخارجية الإسبانية في حينه، وترك الكرة في الملعب الإسباني الذي شهد تباينا في الآراء بين وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا الذي اعتبر المغرب شريكا متميزا والعلاقات معه متميزة، ووزيرة الخارجية أرانشا غونزاليس لايا التي تورطت في عملية إدخال محمد بن بطوش المزور إلى إسبانيا في تنسيق سري مع الجزائر..
    المغرب حقق نصف انتصار فيما يقع اليوم بينه وبين الجار الشمالي، أولا فضح عملية سرية من حجم إدخال زعيم الانفصاليين إلى الأراضي الإسبانية، ثانيا جرت لأول مرة أحد أكبر المناورات العسكرية مع الأمريكيين وبمشاركة العديد من الدول على أراضيه الصحراوية، وبالرغم من اللعب الصغير لليمين الإسباني المتطرف الذي حاول استثمار أزمة الرباط ومدريد انتخابيا، لكنه مني بأكبر هزيمة دفعت رأسه للاستقالة، ومُنع من دخول سبتة المحتلة تحت احتجاج مغاربة سبتة، ثم إنه انتبه لمحاولات تعويم أصل المشكل، الذي تخبط فيه المسؤولون الإسبان الذين يقول بعضهم كما رئيس الحكومة، إنه مرتبط بالهجرة، وهو ما رد عليه ناصر بوريطة في بيان وصف بكونه شديد اللهجة، وبعضهم الآخر من داخل نفس الحكومة، يعتبر المشكل هو الضغط المغربي على إسبانيا لتغيير موقفها من نزاع الصحراء، بينما مسؤولون اعتبروا قضية إبراهيم غالي هي أساس المشكل مع المغرب.. هذا التضارب في التصريحات يعكس تناقضا في التوجهات داخل الحكومة الإسبانية، مرده الشعور بالارتباك والتردد برغم لغة التصعيد التي ركبها المسؤولون الإسبان فيما يشبه الحنين إلى العهد الاستعماري القديم الذي ولى 
بلا رجعة، فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس.
    ما الذي تريده إسبانيا من المغرب؟ هذا ما يجب أن تعبر عنه الحكومة الإسبانية بوضوح، يريدون المغرب كدركي حدود، كشرطة مرور المطارات والموانئ، برغم نبل هذه المهنة والدور الحيوي لأصحابها.. المغرب يرد بـ«لا»، المغرب أكبر من هذا؟ إسبانيا تريد من المغرب تلميذا نجيبا ينفذ ما يريح الجار الشمالي.. اعطونا معلومات استخباراتية أمنية لتنقدوننا من الإرهاب، احموا حدودنا من جيوش «الحراكين»، امنحونا حرية صيد سمككم ولو في المياه الجنوبية للصحراء المغربية، اعطونا العاملات في حقولنا اللواتي نحتاج لبؤسهن لتخفيف الكلفة الفلاحية عن مزارعنا لننافس صادراتكم النفيسة والمفضلة لدى المستهلكين.. المغرب يؤكد أنه ليس عبدا في مزرعة إسبانيا وليس دركيا للحدود ولا ساعي البريد… إنه أكبر من هذا بكثير.
    المغرب واضح في مطالبه: البحث عن الثقة بين شريكين متميزين في أكبر بوابتين بين إفريقيا وأوربا، شراكة حقيقية يراعي فيها كل طرف ما يدخل في مقومات سيادته، وما يشكل أساس وجوده، نتمنى أن تكون قد وصلت الرسالة وتخرج إسبانيا من «روندتها» وتقول «آش بغات» من المغرب، ولكن في نفس الوقت تفهم الممكن من المستحيل، وإلا فلعبة شد الحبل لن تؤدي إلا إلى الباب المسدود.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    أجواء حارة نسبيا ونزول قطرات مطرية متفرقة فوق الأطلس الكبير وسفوحه الشرقية