ملحمة الكركرات

ملحمة الكركرات

A- A+
  • حين الجد، تكون القوات المسلحة الملكية في المكان والتوقيت المناسبين، لا تخلف الموعد مع التاريخ، وتعيد للمغاربة كبرياءهم وأنفتهم، إنها ملحمة الكركرات، لم تكن حربا، ولم يكن في نية الجيش المغربي الهجوم العسكري، وإنما تأمين وحماية طريق عبور الشاحنات في ممر رئيسي يمد إفريقيا بالبضائع والسلع، ويربط أوروبا عبر المغرب بعمق إفريقيا.. ثلاثة أسابيع من التبوريد الذي قاده مرتزقة بأعلام جبهة بوليساريو بالمعبر الذي يوجد ضمن خمس نقط في المنطقة العازلة التي سلمها المغرب لفرقة المينورسو، شرذمة من المرتزقة خربوا الطريق وأوقفوا الشاحنات وقطعوا الأرزاق عن شعوب ودول المنطقة، وكان أكبر المتضررين هي الجارة موريطانيا وباقي دول إفريقيا التي تعتبر معبر الكركرات شريانا حيويا يمدها بأسباب الحياة والعيش.
    ثلاثة أسابيع من الصبر الأيوبي على الاستفزازات وأشكال الاستعراض قرب الحزام الأمني بالمحبس، ونحن نرى كيف كان أفراد من المرتزقة يسبون ويشتمون ويهددون أفراد قواتنا المسلحة الملكية بالذبح، ولحظة حان وقت الجد، وبعملية “جراحية” سريعة، لم تستغرق أكثر من ساعة، فر أفراد ميليشيات بوليساريو مثل البعير الأجرب في فيافي الصحراء، أين هي العنتريات؟ أين التهديد بالعودة إلى الحرب وإشهار السلاح؟ هل كانوا يعتقدون أنهم أمام قطيع من الرعاة الرحل في جزيرة الواق واق؟ صح النوم.. هذا المغرب، هذه الإمبراطورية والمملكة الشريفة، الدولة الضاربة في عمق التاريخ والجغرافيا، وقد جربتم: أبطالنا الأشاوش من مثل “الكرطيطة” وبطل الصحراء الغجدامي الذي لقبته الصحافة الفرنسية بـ”ثعلب الصحراء”، ولدينا منهم كثيرون وعديد من الأبطال الأشاوش الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من لازال في الواجهة الأمامية، ويعدون بالآلاف ويشكلون مفخرة القوات المسلحة الملكية.
    عملية بسيطة كانت أشبه بنزهة عسكرية للقوات المسلحة الملكية، جعلت ميليشيات المرتزقة تفر مثل النعاج وتترك خيامها التي من شدة المباغثة لم تستطع إحراق ما فيها، وفرت في الصحراء.. ما إن تلقت أوامرها من الملك محمد السادس القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، حتى كانت قواتنا في عين المكان، وفي أقل من ساعة عاد الهدوء لمعبر الكركرات، وفي أقل من 24 ساعة تم إصلاح وترميم ما خربه مرتزقة البوليساريو بعين المكان، كان الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء واضحا، إن المغرب يتشبث بالحل السلمي وبقرارات مجلس الأمن وينهج طريق الحكمة وضبط النفس ولكنه سيلجأ للحزم للدفاع عن وحدته الترابية وعن حدوده بصرامة.. وفجأة انتهى كل شيء.
    إن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، والصحراويون الذي يمثلون الصحراء هم في البرلمان المغربي وفي المجالس الجماعية المنتخبة بنزاهة، حيث أن أكبر نسبة للتصويت بأقاليمنا الصحراوية، وفي المجتمع المدني المنظم وفي الإعلام الذي يعبر بحرية عن انشغالات الصحراويين في الأقاليم الجنوبية للمملكة وهم مفخرة هذه البلاد، أما المرتزقة الذين احتجزوا أبناءنا وإخوانا لنا في مخيمات الذل والعار لتسترزق قيادة بوليساريو بمعاناتهم، وتتسول بهم لدى المنظمات الإنسانية، ليتاجر الكبار المتحكمون في الرابوني بالمساعدات الإنسانية في أسواق موريطانيا، ويتركوا مواطنينا هناك، يسترزقون على حسابهم، عرضة للجوع والفقر والإذلال، وأصبحوا يخضعون للعسكر الجزائري الغارق اليوم في البحث عن رئيس آخر بعد وصول أنباء عن تدهور الحالة الصحية للرئيس عبد المجيد تبون.
    ملحمة الكركرات صنعها الشعب المغربي قاطبة بإحساس وطني عارم شكل الخلفية الداعمة للقوات المسلحة الملكية و راء قائدها الأعلى الملك محمد السادس، الاستثناء الوحيد شكله صمت جماعة العدل والإحسان الذي لا يعد غريبا، وبيان للكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي التي اختارت معاكسة التيار الوطني الجارف لتغرد خارج السرب، بالحديث عن الحرب والشعب الصحراوي وتقرير المصير، “واش هاذو دياولنا ولا غا كارين عندنا”، لن نطيل في الحديث عنهم، لأن المغاربة في وسائط التواصل الاجتماعي أدانوا بيان الخزي والعار الذي أصدرته قيادة النهج الديمقراطي التي تبدو جد متخلفة عن السياق التاريخي الكوني والسياق الوطني، ما الوطن لدى أي رفيق في النهج الديمقراطي؟ ما معنى الروح الوطنية حين تتخلى عن وطنك وتنتصر لأعدائه؟ هل هذه هي الروح الثورية؟ هل هذا هو الانتصار للقيم الإنسانية والديمقراطية والاشتراكية؟ كما بخَّستم من شأن الوطن.. سيبخِّسكم التاريخ الذي لا تستحقون أكثر من قمامة مزبلته.. وانتهى الكلام.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المتفرج الأمريكي يكتشف تاريخ المغرب الحديث من خلال فيلم “خمسة وخمسين”