ما حدث مؤلم، لكن من المسؤول؟
ما حدث مؤلم، لكن من المسؤول؟
موت أي مهاجر يبحث عن تحسين وضعه الاجتماعي والإنساني هو مؤلم ومدان بالضمير الإنساني وبقوة القانون، أيا كانت الجهة التي كانت وراء ما وقع في سياج مليلية الأسبوع الماضي، والذي أدى إلى موت 30 مهاجرا أغلبهم من جنوب السودان. والمطالبة بالتحقيق في الموضوع أمر سليم للوقوف على الحقيقة وترتيب الجزاءات بناء على مسؤولية كل طرف.
لنحاول أن نقترب من فهم حقيقة ما حدث، كيف أن 2000 مهاجرا فروا من بلدانهم بسبب الوضع الأمني أو ضيق فرص الشغل يحلمون بالفردوس الأوروبي من أجل تحسين معيشهم، وصلوا إلى ليبيا ثم عبروها إلى الجزائر ثم الحدود المغربية عبر الشمال الشرقي للمملكة، حتى وصلوا إلى حدود مليلية؟ كيف تسنى أن يخرج 2000 مهاجر في ذلك الصباح مدججين بالأسلحة البيضاء والسلاسل والعصي كما لو أنهم في حرب أهلية، وانسلوا دفعة واحدة نحو السياج الحدودي وهم يعلمون أن فرص عبورهم للضفة الأخرى بتلك الطريقة لا أمل فيها وغير ممكنة؟ من دبّر في الليل تأطير وشحن هذه الحشود؟ كيف تم تقسيمها كما في حرب العصابات على مجموعات من 20 شخصا تحت تأطير محترفين؟ ومن صرف عليها كل هذه الأموال حتى يوصلها إلى الحدود الشمالية الشرقية، ويدفع بها إلى الجحيم لمخططات سرية وحده المستفيد منها؟
ولنفهم الوضع علينا أن نبحث عن المستفيد من إحداث أزمة كبرى بين المغرب وإسبانيا، واستعمال ورقة الهجرة السرية بعد الغاز للضغط على إسبانيا ليلة احتضانها أكبر اجتماع لحلف الناتو، لقد اعتادت القوات الأمنية المغربية التعامل مع المهاجرين في غابات فرخانة وبليونش، والدليل هو عدد تدخلات الأمن المغربي لتفكيك شبكات الهجرة السرية وإحباط محاولات التسلل عبر حدود المدينتين السليبتين سبتة ومليلية. ولم يسجل طيلة هذه التدخلات أي عنف أو وفيات كما في لحظة الاقتحام الكبرى الأخيرة بهذه الحشود البشرية المفاجئة. حسب ما انسل من شهادات المهاجرين أنفسهم، فإن هناك من أشرف على عبور معظم هؤلاء المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، من ليبيا إلى الجزائر فوجدة ومن تم حدود مليلية، وبالإضافة إلى العصابات المتاجرة بتهريب البشر، يوجد تورط كبير للجيش الجزائري في نقط المراقبة، والأمر الذي يثبت أن ما حدث لم يكن مجرد شراء عناصر من الجيش الجزائري عبر نقط مراقبة محددة، هو أن لا متسللا واحدا من المهاجرين السريين وقع بيد الجيش الجزائري عبر كيلومترات طويلة من الحدود مع ليبيا حتى الحدود مع المغرب.
وحسب تصريحات متواترة لمن يجري معهم التحقيق من المهاجرين السريين، فقد كان هناك من يشرف على تأطير وتمويل تحركات هذه المجموعات التي بلغ عددها 2000 مهاجرا سريا، خرجوا بهذا الحجم وفي واضحة النهار مدججين بالأسلحة البيضاء والحديد والعصي وعلى سمات بعضهم سوابق في العنف، يلزم الأمر تحقيقا دوليا في الموضوع، من طرف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فلا يمكن للجزائر بسبب صراعها مع إسبانيا أن توظف هؤلاء الضحايا وتستعملهم كذروع بشرية وتضحي بهم في محرقة مصالحها الأنانية، ولو أننا كمغاربة اكتوينا من سلوكات جزائرية لم تراع حرمة عيد الأضحى ولا مشاعر أخوة ولا حرمة ولا جبالا من الطعام والملح، وفرقت الأزواج الجزائريين عن زوجاتهم المغربيات وطردت الأزواج المغاربة بعد أن فصلتهم عن أحضان زوجاتهم الجزائريين وشتتت شمل أسر بكاملها فاق عددها 70 ألفا؟ والذي يلعب بهذه الحشود مستغلا وضعها المأساوي في الضغط على بلد له معه حسابات سياسية، يمكن أن يخاطر بكل شيء من الجريمة المنظمة إلى دعم الإرهاب.
إن ملف الهجرة لا يمكن أن ينجح دون مقاربة تشاركية اندماجية، فالوضع أصبح ينذر بالخطر، ومطلوب من الاتحاد الأوربي خاصة وقف سيل الهجرة ليس فقط بمواجهتها عند حدودها، بل بمحاربة أسبابها في البلدان المصدرة للهجرة عبر التنمية وخلق فرص عيش أحسن.
المصدر: شوف تي في