ماذا تعني البكالوريا اليوم؟

ماذا تعني البكالوريا اليوم؟

A- A+
  • ماذا تعني البكالوريا اليوم؟

    اجتاز التلاميذ خلال الأسبوع الماضي امتحانات البكالوريا بمستوييها الوطني والجهوي، وانطلقت عملية التصحيح، في انتظار المداولات والإعلان عن النتائج، جل التلاميذ وأولياء أمرهم ينتظرون النتائج على أحر من الجمر، لكن ماذا أصبحت تعني شهادة البكالوريا اليوم؟

  • لا نريد أن نقارن بين ما كانت تعنيه البكالوريا على زمننا، والتي كانت أشبه بالمنقذ من الضلال، والمحددة لمستقبل أجيالنا، إما نحو الترقي في سلم التعليم العالي وإما الخروج للبحث عن الشغل أو التوجه نحو التكوين المهني الذي لم يكن يعني سوى تأجيل زمن البطالة إلى حين، فهذه المقارنة لا تصلح في هذا الزمن على اعتبار أنها نوع من النوستالجيا والحنين إلى الماضي ليس إلا، بالإضافة إلى اختلاف السياقات بيننا وبين أولادنا، لكن مع ذلك نكرر السؤال المؤرق ما الذي أصبحت تعنيه شهادة البكالوريا؟

    لم يعد الآباء وأولياء الأمور مهتمين إلا بالبكالوريا، يريدون لأبنائهم أن يصلوا إلى  هذه العتبة من التعليم بأي ثمن، لذلك تصبح دراسة الأبناء في سنتي البكالوريا محط اهتمام كل الأسر المغربية، ويبدل الآباء والأمهات مجهودا غريبا في سبيل حصول أبنائهم على هذه الشهادة، فتجدهم يخصصون جزءا وافرا من المال لدروس الدعم والتقوية، وتجد الآباء والأمهات ينقلون أبناءهم ليلا إلى مدارس بعيدة خاصة بالدروس الخصوصية أو يستقبلون أساتذة أصبحوا بدورهم يلهثون من أجل تقديم الدروس ليس حبا في عيون التلاميذ ولكن مقابل ما يجنونه من مال يتغلبون به على خصاص أجرهم الهزيل..

    لم تعد تعني البكالوريا اليوم سوى التسابق للحصول على النقط الأولى بأي ثمن، لأنه بدون معدلات كبرى لن يتمكن التلاميذ من اجتياز مباريات المؤسسات العليا العمومية للتعليم الأكاديمي التي لا زال فيها بعض الضوء، وخوفا من التكاليف الباهظة والمرهقة للأسر في حالة عدم قبول أبنائهم في المؤسسات الجامعية العمومية، ليجدوا أنفسهم أمام مصاريف خيالية ترهق ميزانياتهم المتواضعة أصلا.

    وبما أن الغاية تبرر الوسيلة، فلم تعد الأسر تهتم سوى بنجاح أبنائها بأي وسيلة، فتجد أن أولياء الأمور الذي لا يعرفون أحيانا أين يدرس أبناؤهم يتقاطرون على المؤسسات التعليمية ويتصلون بالأساتذة، ولن تكون أسئلتهم عن مستوى أبنائهم وبناتهم إلا مقدمة لتسول النقط متذرعين بيتم الإبن أو الإبنة، أو بمرضه أو بمشاكل المنزل العائلية أو بالوضع الاجتماعي من فقر وطلاق وخصام…. بل يبدأ الآباء والأمهات في البحث عن وسائط للتدخل لدى الأستاذ أو الأستاذة الفلانية لتشددها وصرامتها ورفضها التعامل بغير ما يعبر عنه التلاميذ من اجتهاد أو كسل، أما التلاميذ فيصبحون في آخر كل دورة طلبة قبل الدخول إلى الجامعة، يطلبون النقط إما بتسول وتودد أو بالتهديد..

    لا يقف الأمر عند هذا الحد، فتحول الباكالوريا إلى كم وليس إلى كيف، جعل آباء وأمهات يساهمون بوعي وسابق إصرار وترصد في حالات الغش لدى أبنائهم، يسهرون الليالي لنقل الدروس بخط صغير جدا، ويبحثون عن وسائل فوطوكوبي ذات التقنية المتطورة المساعدة على النقل والغش… ليس ما رسمته هنا إلا نقطة من بحر المشاكل التي حولت البكالوريا إلى شهادة بلا مضمون وبلا ذكاء وبلا أهلية ولا تكوين…

    بالأمس كانت البكالوريا مجالا للترقي الاجتماعي والمعرفي، فالحاصل على البكالوريا حتى بميزة متوسط، يكون ذا تكوين عالي، ويتوجه إلى الجامعة أو إلى المؤسسات العمومية الأكاديمية التي تؤهله إلى مجال الشغل، اليوم لا، فالحاصل على البكالوريا بمعدل 13 و14 حتى، كأنه لم يزرع ليحصد شيئا، لذلك يلجأ التلاميذ وأولياء أمورهم لكل الأساليب بما فيها تلك غير المشروعة ليحصل أبناؤهم على معدلات مرتفعة حتى ولو كانوا لا يستحقونها وعقولهم أفرغ من فؤاد أم موسى.. المهم هو أن ينجحوا حتى بدون تأهيل، لذلك أصبحنا نجد طلبة في التعليم الجامعي يتيهون بين تخصصات عديدة في سنتهم الأولى يجربون حظهم في كل التخصصات ولا يفلحون لأنهم يفتقدون للتكوين، ولأنهم حصلوا على بكالوريا مزيفة بلا قيمة علمية، فما بني على باطل كان باطلا.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    ألمانيا: إقبال واسع على رواق المغرب في أكبر معارض التكنولوجيا الصناعية