أحزاب خارج التاريخ

أحزاب خارج التاريخ

A- A+
  • بتأمل المشهد الحزبي نحس أن كل النقد الموجه للأحزاب لم يدفع بنخبها وقياداتها نحو التحرك والبحث عن أسباب الأزمة وإيجاد المخارج الضرورية منها، لم نعد حقيقة أمام أحزاب لها هياكلها التنظيمية وامتدادها الاجتماعي وخطابها الإيديولوجي المنسجم، ومواقفها إلى جانب القضايا الحيوية للشعب الذي تدعي الدفاع عنه والحديث باسمه، هناك خلل عميق لدى الأحزاب السياسية في المغرب، فالعرض السياسي المقدم من طرف الأحزاب التي تجاوز عددها 34 حزبا، لم يستطع استقطاب سوى ثمن المجتمع المغربي الذي يتشكل في معظمه من الشباب، وهنا مكمن الجرح..

    لا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية قوية وديمقراطية، لا تقدم للدولة في غياب وسائط حقيقية لها امتدادات اجتماعية، والسلطة مهما كانت قوية وتتمتع بحصانة مجتمعية لا يمكن أن تعوّض الأحزاب السياسية، لكن لا يمكن توجيه النقد لمؤسسات شغلت الفراغ المؤسساتي حين تغيب الأحزاب عن القيام بدورها الحيوي المنصوص عليه دستوريا، والمتمثل في تأطير المواطنين ونقل رغباتهم وحاجياتهم ومعاناتهم إلى صناع القرار.. هناك خلل كبير في أحزابنا السياسية، الدولة وعت حجم غياب الوسائط الذي بلغ أوجه في نزاعات اجتماعية كبرى من الريف إلى ملف المتعاقدين، ووجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع أبنائها في أكثر من محطة في العقد الأخير، وتحملت مسؤوليتها في استتباب الأمن والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة وضمان الاستقرار، وفوتت الفرصة على انتهازيي الفرص الذين يودون أن يزُجُّوا بالمغرب في غَيابَات الجُب لغرض في نفس يعقوب.

  • الدولة بكل مؤسساتها القوية التي منحتها أزمة كورونا ثقة كبرى لا يمكن أن تنوب عن الأحزاب السياسية في القيام بوظائفها الحيوية التي تتمثل في تأطير المواطنين ونزع الطابع الغريزي عن الحركية الاجتماعية، ونقل مطالب مختلف الفئات الاجتماعية المتضررة من السياسات العمومية لهذا السبب أو ذاك إلى صناع القرار، ولا يمكن تعليق كل أشكال فشل التنمية وضعف المشاركة السياسية، وإضراب الشباب عن السياسة وانحرافهم بسبب الانغماس في المخدرات وجميع أشكال الانحراف إلى الدولة ومنتجي السياسات العمومية..

    الشباب المغربي اليوم معظمه منغمس في المخدرات وجميع أشكال الانحراف والتشرد، شباب ضائع لا يجد نفسه في مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومؤسسات تعليمية، ويجد نفسه ضائعا في أحضان الشارع بلا أمل، لأنه لم يجد لا جمعيات مدنية تأخذ بيده وتفتح أمامه فرص الإبداع والانخراط في الشأن العام، ولم تنفتح أمامه أبواب الأحزاب السياسية التي لم تعد تفتح مقراتها إلا مع كل حملة انتخابية، ومع ذلك يتباكون حول إضراب الشباب عن المشاركة السياسية، ما كان للدولة أن تفتح ملف التجنيد الإجباري لاحتضان شباب المستقبل وتأطيره وهي ليست في حالة حرب، إلا لوعيها بحجم الخصاص الذي يعانيه المجتمع من التأطير وإدماج الشباب من الجيل الجديد بدل أن يجد نفسه بين أحضان أباطرة المخدرات والحشيش، وعرضة للضياع والتشرد وفقدان الأمل.

    لدينا «شواري ذبان» من الأحزاب، أي كثرة الإطارات السياسية غير منتجة لا تتناسب وحجم المجتمع المغربي، لكن لدينا كمشة من النحل فقط هي من تفكر في مستقبل المغرب، هي من تثق بأن مستقبل الأمة يصنعه شباب مُؤطر ومُؤهل منخرط في صلب المشاركة السياسية.. علينا أن نصيح اليوم، باسطا، كفى من تناسل الأحزاب، نريد وسائط فعالة تنخرط في الأسئلة الحيوية للمجتمع بدل أن تكتفي بالتوجه إلى الشعب بشكل موسمي مع كل انتخابات، لا نريد أعيانا مفصولين عن القاعدة الاجتماعية، لا نريد إطارات جامدة بلا هوية ولا عمق إيديولوجي واجتماعي، لا نشجع الأصوات التي تطالب بإلغاء البرلمان والمجالس المنتخبة والأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والمدنية.. فهذا جوهر الديكتاتورية التي لا تريدها الدولة ولا الملك، ولا أدل على ذلك من زيادة حجم دعم الدولة للأحزاب، لكن بالمقابل لا بد أن تتحرك هذه الأحزاب قبل أن يفوتها القطار لتأطير المجتمع لتكون في مستوى الرهانات الكبرى التي تطمح إليها المملكة.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الداكي يوقع على مذكرة تفاهم بين رئاسة النيابة العامة بالمغرب ونظيرتها الروسية