بأي ذنب يقتل أطفالنا؟

بأي ذنب يقتل أطفالنا؟

A- A+
  • لم نكد نجفف دموعنا من البكاء على اغتصاب وقتل الطفل عدنان، حتى استيقظنا على جريمة أخرى بشعة، مع العثور على جثة الطفلة الصغيرة ذات الخمس سنوات بنواحي أكدز في أقصى الهوامش المنسية، كيف التقت الوحوش الآدمية في القتل مهما كانت الأسباب: اغتصاب، سحر وشعوذة وبحث عن الكنوز، فالجريمة واحدة، للأسف وصلت حتى للأماكن التي كانت محط أمان وتخلو من العنف الوحشي الذي تعج به مدننا.. لقد اختار قتلة الملاك الصغير أن يوحدوا المغرب، شمالا وجنوبا في الحزن القاسي..

    لم نكن في قناة «شوف تيفي» بعيدين عن مجرى الحدث، وكنا أول من هرع إلى عين المكان لتغطية الخبر واستجواب الأسرة والجيران والفعاليات في المنطقة حول الحادث المفجع الذي راح ضحيته الطفلة نعيمة، ولم نميز بين عدنان ونعيمة، ولا بين المركز والهامش المنسي، تلك رسالتنا، لكن بالفعل من حق أبناء المنطقة وفعالياتها أن يعبروا عن غضبهم من الإهمال الذي تعامل به الإعلام الوطني مع اختفاء الطفلة البريئة، والذي كان يجب أن يكون حافزا للدوائر المسؤولة للتحرك بشكل عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه..

  • هذا هو المجتمع الحي والحركي الذي يدافع عن المركز وعن حق الهامش، عن أطفالنا وضحايانا بلون الدم المغربي كيفما كان سنهم أو لونهم أو مركزهم الاجتماعي.. نحن اليوم في جو حزن جماعي نتوحد كمغاربة مرة أخرى في الفاجعة.. لكن هل سنتوقف عند هذا الحد؟ أن نحزن اليوم على نعيمة كما حزننا على عدنان، وبعد تحرياته يعلن الدرك الملكي عن الجناة ويتم تقديمهم إلى المحاكمة، ونطالب بأقسى العقوبات، ثم نعود لما كنا فيه.. حتى نستيقظ مرة أخرى على فاجعة تحصد أرواح طفل أو طفلة أخرى بريئة؟

    في العدد السابق كتبت في هذا المنبر، أن رسالة عدنان إلينا، هي «أنقذوا الطفولة»، «احموا الطفولة المغربية كي لا يتكرر ما حدث معي»، هل قمنا بذلك، هل دخلنا كمجتمع في نقاش حي وهادئ حول سبل حماية أطفالنا من الذئاب البشرية، خارج دائرة الغرائز والانتقام، لأن المهم هو تحصين أطفالنا من هذه الجرائم البشعة، هل تساءلنا بقوة: بأي ذنب يقتل أطفالنا وما الذي فعلنا لنحمي فلذات أكبادنا من هذه المصائر المخزية والمأساوية؟.

    قبل التفكير في تشديد العقوبات التي تعتبر ضرورية للردع والتحصين، فإن الدور البيداغوجي والتربوي الذي يجب أن تنخرط فيه الجمعيات النسائية والحقوقية والتنظيمات المهتمة بالطفولة ووسائل الإعلام ومؤسسات التنشئة والرعاية الاجتماعية والبرلمان والحكومة وكل مكونات المجتمع، هو الأساسي في حماية أطفالنا، يجب فتح نقاش حقيقي في المغرب مع تزايد الجرائم التي تستهدف أطفالا أبرياء حد القتل، يجب أن نواجه ثقافة «الحشومة» و«العار» ونفك طوق الصمت عن قضايا استهداف الأطفال بالمغرب، وكسر «طابو» التغطية على الجرائم التي تستهدفهم من اعتداءات جنسية تكون في الأغلب الأعم دافعا للقتل لدفن السر مع الجثة، ألا تقتصر هذه الحملات على الحواضر فقط، ألا تكون موسمية؟

    نحن لا نريد جرائم أخرى، ولم نعد قادرين على تحمل المزيد من المآسي ونقعد مثل متفرجين، وما أن تخمد القضية حتى نعود إلى حياتنا العادية ثم نستيقظ على جرائم أبشع تستهدف الأطفال في عمر الزهور..
    كفى، كفى.. لا يمكن التهاون أكثر من هذا الحد في ما يهم مستقبل نساء ورجال الغد، في حماية حقهم في الحياة وفي التوازن النفسي السليم وفي الاندماج الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية الصحيحة، فهم بناة الغد، والصمت عما يحدث اتجاه أطفالنا وعدم الإعداد لما يمكن أن يساهم في حمايتهم بشكل فعال من الذئاب البشرية، يجعلنا مساهمين في الجريمة، البكاء والحزن عاطفة إنسانية نبيلة لكن الوقوف عند حدوده معناه واحد، أن علينا أن ننتظر غدا لنستيقظ على جرائم أبشع.. إن حماية أطفالنا بيدنا اليوم كمجتمع وأي تقصير ليس في صالح هذا المجتمع الأمين.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الداكي يوقع على مذكرة تفاهم بين رئاسة النيابة العامة بالمغرب ونظيرتها الروسية