سرية المسيرة الخضراء في سر نجاحها الباهر

سرية المسيرة الخضراء في سر نجاحها الباهر

A- A+
  • لما استقر رأي الملك الراحل الحسن الثاني على تنظيم المسيرة الخضراء، كان وحده من يعرف هذا السر لأنه هو واضع خطته ولا أحد سواه، ولما حان وقت التنفيذ استدعى في سرية تامة ثلاثة ضباط من القوات المسلحة الملكية، أنزلهم إلى قبو عبارة عن بيت يوجد أسفل القصر الملكي، حيث لا يستطيع أي شخص أن يسمع حديثهم، أدوا أمامه اليمين ليحافظوا على السر وأمرهم أن يعدوا اللوجيستيك ثم تركهم يشتغلون. ثم استدعى وزير الداخلية والولاة و العمال وكان محور الدعوة دراسة مشاكل عادية وروتينية، وبالفعل عقد معهم الاجتماع وتدارس معهم بعض المشاكل، لكن هدفه كان هو إخبارهم بنيته في عقد مسيرة خضراء، لذلك استدعاهم إلى تناول إفطار رمضان في إقامته، وفي الليل صعدوا إلى الحافلات عائدين إلى مقراتهم، لكن الحافلات سارت إلى وجهة مجهولة في جنح الظلام، ولما توقفت نزل وزير الداخلية والولاة والعمال في مصعد تحت أرضي إلى الغرفة السرية، وكانوا يتخيلون كل السيناريوهات السوداء، إما أنها إقالة أو عقاب جماعي من الملك، دخل الملك الحسن الثاني ودعاهم لأداء القسم حفاظا على السر، وأخبرهم أنه سينظم مسيرة خضراء وعليهم أن يوفروا الشاحنات والمتطوعين والخيام اللازمة ولكن في سرية تامة، فتنفسوا الصعداء، لكن زادت الأسئلة المقلقة في رؤوسهم كيف سنعد لذلك في السر، وزاد من قلقهم عندما قال لهم الحسن الثاني : “إياكم ثم إياكم أن تقولوا كلمة إسمها المسيرة، واتصالاتكم تتم ليلا وبدون كاتبات وبدون صور، للتشاور وتبادل المعلومات”. لقد كانت مسؤولية جسيمة وكانوا أحق بها، لأنهم كانوا يمارسون أعمالهم الإدارية نهارا بشكل عادي وفي الليل يعدون للمسيرة..

    الجيش و الداخلية والسلطات في علمها تنظيم المسيرة، لكن كيف يمكن أن يخبر الحكومة بوزرائها، ولكل وزير حزب معين، ويمكن أن يشيع أحدهم السر، لقد كان احتمالا واردا لدى الملك، لذلك استدعى رئيس الحكومة أحمد عصمان والوزراء إلى مجلس وزاري عادي، لمناقشة اتفاقيات ومراسيم قوانين لا غير، عندما اجتمعوا غلق الأبواب، وذهب الحراس، وبقي وحده معهم، وطلب منهم أداء قسم الحفاظ على السر. وأخبرهم أنه قرر تنظيم مسيرة إلى الصحراء قوامها 350 ألف متطوعة ومتطوع، وطلب من كل وزير أن يقوم بالإعداد في سرية تامة لمهمته، دون الحديث في الهاتف أو مراسلات في الفاكس أو إخبار الزوجات والأصدقاء وغيرها من الاحتياطات.

  • و أضاف الحسن الثاني “إذا أراد أحد الوزراء أن يتراجع فأنا لن أعاقبه”. بعد ساعة تقريبا عاد الملك، فأخبره عصمان بأن جميع الوزراء يؤيدون قراره بتنظيم مسيرة خضراء وأنهم سيقومون بما يحتمه الواجب الوطني.

    لم يعد في المعادلة إلا أحزاب المعارضة وخاصة حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي غير اسمه في مطلع السبعينيات من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى الاسم الجديد، وتخلصوا من إرثهم الراديكالي، كان هناك قائدان هما امحمد بوستة وعبد الرحيم بوعبيد، وهما هرمان في السياسة ويرومان جانب المعارضة لإصلاح الأوضاع الداخلية، وهما وطنيان من طينة الكبار، فكيف سينجح الحسن الثاني في إقناعهما بالمسيرة، وقد يقولان أنها فكرة مرفوضة ويكونان عقبة في طريق نجاح المسيرة، وربما يفضحان السر وتفشل الخطة.. وسنحكي عن موقفهما المشرف، والذي استقيناه من الصحفي محمد الصديق معنينو، حيث استدعى الملك امحمد بوستة وعبد الرحيم بوعبيد كلا على حدة عن طريق مرسول الملك أحمد العراقي. وطلب من كل واحد أن يأتي إلى القصر الملكي في الغد على الساعة العاشرة صباحا. صدمة بوستة عندما شاهد بوعبيد وهما يلتقيان دون ميعاد عند الملك وفي قصره، متسائلين عن الغرض من استدعائهما، وصارا يخمنان ويضربان أسداس في أخماس إلى أن حل الحسن الثاني الأحجية، ودعاهما إلى مرافقته ونزل رفقتهما إلى الغرفة السرية، هناك ناولهما ورقة مدونة بخط يده مكتوب عليها القسم، وطلب منهما أداء قسم الحفاظ على السر، فأديا القسم معا، ثم أخبرهما أنه عزم على تنظيم مسيرة خضراء وأن هنالك استعدادت على قدم وساق لهذا الحدث، وقال لهما “لقد اتخذ القرار والآلة انطلقت والمسيرة ستكون ناجحة” فقالا بصوت واحد “نحن معك يا جلالة الملك”. إنها القشعريرة التي تصيب الجسد بالتنمل، عندما تعلم أن المغاربة قاطبة مجمعون على قضية الصحراء المغربية، لذلك لن نخاف أبدا من المناورات والأعداء..

    لقد أجمع أعلى الهرم والمعارضة والأغلبية وبقي الشعب، كيف سيمكن إخباره؟ خاصة أن وسط العامة أذناب ووشاة مندسون، لذلك تكلف الملك الحسن الثاني شخصيا بهذه المهمة، وأعد لها على مهل، حيث أرسل موظفين إلى القاعدة العسكرية في بنكرير لتكوينهم بعد أداء القسم على الحفاظ على السر، وذلك في مجال توفير اللوجستيك، وعندما جاءت التقارير إيجابية، خطب الملك في 16 أكتوبر ليعلم الشعب أنه قرر تنظيم مسيرة خضراء. فكانت المفاجأة السعيدة لدى المغاربة الذين تطوعوا بالآلاف حيث وصل عدد المتطوعين إلى مليون متطوعة ومتطوع لكن المسيرة حصرت في 350 ألف مشارك فقط، لذاك ثم وضع 650 ألف من المتطوعين في لائحة الانتظار كاحتياطي ساعة اللزوم…

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الحكومة تصادق على مرسوم مساطر تنفيذ نفقات المجلس الاقتصادي والاجتماعي