تحولات جارفة في المشهد السياسي

تحولات جارفة في المشهد السياسي

A- A+
  • نعيش زمن الانهيار السياسي بالمغرب، ويحق لنا أن نقول اليوم على شاكلة ما بشّر به فوكوياما بنهاية السياسة.. والدليل ما أصبحت عليه الممارسة الحزبية، التي تحولت اجتماعات تنظيماتها وهيئاتها التقريرية إلى ساحة للملاكمة وصراع الديكة.. وغالبا ما انتهى بعضها بتدخل الأمن ومجيء سيارات الإسعاف لحمل الضحايا، كما نتذكر في أحد اجتماعات اللجنة التحضيرية للشبيبة الاستقلالية..

    لم تعد الأحزاب السياسية مشتلا للأطر والبرامج وساحات لنقاش الأفكار وتخصيب المواقف والمبادئ، بل هياكل بعيدة عن حقل الاهتمام الاجتماعي خاوية على عروشها، منعزلة عن المجتمع، وما يجتهد فيه أعضاؤها هو البحث عن المناصب والترقيات والتسيد في حقل التنظيم الحزبي.. يأتي هذا في سياق مطالبة الملك بالكفاءات العليا والاستحقاق في التعيين في مناصب المسؤولية، فهل بهذه الأحزاب سندخل المرحلة الجديدة التي أعلن عنها الخطاب الملكي؟ حيث طالب من الكل، منظمات، أحزاب، مؤسسات، إدارات ومواطنين للانخراط فيها بغية صنع مغرب مغاير يتمتع فيه كل المغاربة بالحق في العيش الكريم والحرية والديمقراطية..
    واللي تيطلع الدم بزاف للمغاربة، هو مللي تيرفعو بعض الأحزاب شعارات كبيرة جدا، مثل الملكية البرلمانية، نحمدو الله ملي هاذ الأحزاب لا تُدير المؤسسات الحساسة في الدولة من جيش ومخابرات وأجهزة أمن.. أما كون غير لي دابز مع رفيقو في التنظيم الحزبي كون لفق ليه تهمة وداه للحبس ولا غبرو كاع… الحمد لله أن لهذا البيت المغربي رب يحميه..

  • علينا أن نفهم هذه التحولات الجارفة في الحقل السياسي، فقبل أسابيع فجر تقرير المجلس الأعلى للحسابات فضائح مختلفة في التسيير والتدبير، ووقف قضاته على اختلالات فظيعة، همت مجالس جماعية ومؤسسات عمومية يشرف على معظمها منتخبون أو أطر حزبية، نحن لا نعمم ونعترف أن داخل بعض أحزابنا، هناك كفاءات وأطر عالية نزيهة، ولكن الفساد الحزبي المنتشر والصراع التنظيمي بين الصقور داخل أحزابنا من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والحركة الشعبية وزيد لهيه… لا يترك فرصة للحمائم الوديعة أن تطفو على السطح، ففي كل مراتب المسؤولية التنظيمية، لا تجد إلا جيوش الطغاة المتسيدين الذين يحتكرون سلطة القرار داخل أحزابنا، وأول ما يبدأون به هو تصفية الخصوم عبر الطرد وتجميد العضوية أو الإقصاء الممنهج أو الكواليس الحقيرة، التي تئد الكفاءات العليا ولا تسمح مصفاتها بمرور النخب النظيفة التي لها غيرة على البلاد والعباد..

    من الطبيعي إذن، أن ينفر المواطنون من الأحزاب السياسية عامة، وينفضوا أيديهم من شعاراتها والأوهام التي تروجها، وتكون أول من يتخلى عنها ما أن تصل إلى السلطة، لقد جربنا ذلك مع حكومة التناوب التوافقي ومع حكومة بن كيران اللي خرجات على المغرب، وها نحن نتفرج على حكومة العثماني بدون ذلك الحماس الفرجوي اللازم، حيث يبدو رئيس الحكومة هو المغربي الوحيد السعيد الذي يوزع ابتسامته بالمجان، دون أن نرى في أعمال حكومته ما يفرحنا كمواطنين..

    لا يمكن للأحزاب السياسية المُطالَبة بالديمقراطية والنزاهة والشفافية والإيمان بالاختلاف، في الوقت الذي تفتقد فيه أبسط قواعد الإيمان بالتعدد والانفتاح على المجتمع وتأطير المواطنين عبر فتح بنيات استقبال تنظيماتها الموازية لمختلف التشكيلات الاجتماعية، واحترام صناديق الاقتراع الشفافة، وتجنب الحروب الصغيرة التي ليس من شأنها سوى أن تزيد من عزلتها، وتفقد المواطنين ما تبقى من مصداقية لدى بعض مناضليها الذين أصبحوا عاجزين عن الدفاع عن أحزابهم أمام السخط المتزايد للمجتمع على نخبه.. وحين تهتز البلاد يجري زعماء هذه الأحزاب للاختباء وراء الملك الذي هو في أمس الحاجة إلى نخب نزيهة وأحزاب قوية تعينه على تحقيق طموح الانتقال الحقيقي بالمغرب إلى المرحلة الجديدة… عموما هذا هو واقعنا والخير إلى الأمام..

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المتفرج الأمريكي يكتشف تاريخ المغرب الحديث من خلال فيلم “خمسة وخمسين”