انتصار آخر لدبلوماسية ملك

انتصار آخر لدبلوماسية ملك

A- A+
  • انتصار آخر لدبلوماسية ملك

    حين أكد جلالة الملك محمد السادس لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غداة توقيع اتفاقية إبراهام مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، أن المغرب يدافع عن مصالحه الاستراتيجية وأنه لا يعمل على تحييد قضية فلسطين من جدول أعماله ومساعيه لتحقيق السلام في الشرق الأوسط عبر حل الدولتين، ولا أن يكون ذلك على حساب الفلسطينيين، لم يكن يرمي بالورود البلاستيكية في اتجاه الفلسطينيين والقضية المركزية التي اعتبرها المغاربة جزءا من قضيتهم الوطنية، لأن أول من يقدر جهود الملك محمد السادس في الدفاع الحقيقي عن فلسطين كحضارة وكشعب ويمد يد العون لهم هم الفلسطينيون البسطاء في عين المكان.. بل كان يريد التأكيد على أن المغرب حين قبل بعودة العلاقات مع إسرائيل فلحماية مصالحه الحيوية وقضاياه الاستراتيجية، بالأمس فقط عبرت الخارجية المغربية عن موقف حازم من الممارسات الإسرائيلية الأخيرة في جنين، وكان الرد هو تأجيل لقاء القمة مع إسرائيل التي كان من المقرر أن يحتضنها المغرب، وكانت العبارات واضحة لشجب العمليات الإسرائيلية اتجاه أهل جنين.

  • وبعد أن أثير لغط وتشويش كبير حول استفادة المغرب من عودة العلاقات مع إسرائيل-لاحظوا أني لم أقل التطبيع- لأن العلاقات بين البلدين كانت قائمة منذ عقود بين المغرب وإسرائيل اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وعسكريا وثقافيا، بحكم العلاقات التاريخية التي تربط ساكنة مهمة من اليهود المغاربة بملكهم، كاستمرار لتقليد تاريخي عريق، حيث حمت إمارة المؤمنين اليهود المغاربة من التمييز والقتل ومن خطاب الكراهية على عكس ما ساد في العديد من دول العالم، خاصة مع هيمنة النازية وخطابها العنصري ضد الجنس السامي. ها هي رسالة نتنياهو للملك محمد السادس تفضح المنافقين والمدلسين والهواة الذين احترفوا التشويش ضد كل ما تقوم به مؤسسات الدولة، تؤكد رسالة نتنياهو على مغربية الصحراء بشكل واضح لا غبار عليه ولا التباس في تأويل عباراته، بل تجاوز الأمر بالاعتراف إلى فتح قنصلية إسرائيلية بالداخلة في قلب الصحراء المغربية.

    لن ينام الليلة الكثيرون، الأشقاء في الجزائر، ما تبقى من جبهة بوليساريو التي تقتات على فتاة نظام العسكر، وأيضا باقي المنافقين الذين قلبهم مع علي وسيفهم مع معاوية، فلقد حصحص الحق وزهق الباطل الذي كان زهوقا، لم يعد الأمر يتعلق فقط بحسم المغرب العمليات العسكرية بالصحراء، بل بحسمه طبيعة النزال الدبلوماسي الذي أبان عن حكمة وبعد الرؤية والاستبصار، لا يقدم الاعتراف الإسرائيلي على أعلى مستوى بمغربية الصحراء، إلا إجماعا متزايدا حول حق المغرب في حماية وحدته الترابية، فقد سبقت إسرائيل دولا عظمى من الولايات المتحدة الأمريكية التي كان يتوقع العديدون ممن يجهلون القواعد الأولى في العلاقات الدبلوماسية وفي شكل صنع القرار الأمريكي الذي لا يكون الرئيس فيه سوى معبر عن اتجاه دولة تلزم كل من يأتي بعده باحترام القرارات السيادية “المعبورة” بميزان من ذهب.. وبعدها ضربة معلم مع هولندا وبلجيكا وألمانيا والقرار التاريخي الذي دفع بوليساريو وصانعتها الجزائر إلى الجنون الذي ما بعده جنون بل والخرف الدبلوماسي.. بعدما سارعت العديد من الدول الوازنة في إفريقيا وفي العالم العربي إلى فتح تمثيليتها الدبلوماسية في قلب الصحراء المغربية.

    وزن الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء هو من حجم تأثير إسرائيل دوليا في أغلب المؤسسات الدولية التي هي عضو فيها، فوق ذلك إنه يعزز الإجماع الدولي على الخيارات الدبلوماسية التي يقودها الملك محمد السادس باقتدار وعمق استراتيجي كبيرين، وهو لذلك يحرج الكثير من المترددين وفي مقدمتهم فرنسا التي تعتقد أنها الوحيدة من تحمي المغرب عبر وصايتها بالشكل الذي يخدم مصالحها وحدها، وعلينا أن نتذكر ما صرح به دبلوماسيها جيرالد أرود، السفير الفرنسي السابق لدى الأمم المتحدة، الذي اتهم المغرب بـ”الابتزاز”، مدعيا أن “لهجته تغيرت مع فرنسا منذ إعلان أمريكا اعترافها بمغربية الصحراء، ونسي بعد ذلك أن فرنسا كانت لعقود تدافع لوحدها عن المغرب بمجلس الأمن».

    إنه انتصار آخر لدبلوماسية ملك وضع قضية الدفاع عن الوحدة الترابية والمصالح الحيوية للمملكة فوق كل اعتبار، وها هي الأيام تكشف عن مدى الحكمة التي يقود بها محمد السادس الدبلوماسية المغربية نحو تحقيق المزيد من المكاسب وحماية ثغور المملكة دون الكثير من الضجيج.. فسير، سير، سير عالله.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي